المعايير الدولية لحقوق الانسان على مذبح الفيتو/ سعيد الشيخ

بحسب قوانين حقوق الانسان أن القيمة الانسانية هي واحدة من دون تمييز بين أبيض وأسود أو بين غني وفقير أو بين جنوبي وشمالي.
ولو وضعنا هذه المعايير في ميزان العدالة، فهل نتوصل الى ان البشرية المعاصرة قد طبّقت هذه المعايير بقيمة وبموازاة واحدة؟
لا يحتاج المرء الى كثير من التمحيص ليكتشف ان الولايات المتحدة الاميركية وهي الدولة الاكثر مناداة بحقوق الانسان، هي أكثر الدول التي تتلاعب بهذه القيم وتجعلها كعجينة طيّعة حسب سياساتها ومصالحها المنتشرة في كل مكان.
اذن لماذا هذا الاشمئزاز الامريكي بحسب المندوبة الامريكية في مجلس الامن، من الفيتو الروسي والصيني ضد ادانة النظام السوري وتبني خطط عربية تحت عناوين حماية الانسان في سوريا؟
ما الفرق بين فيتو يأتي من امريكا وفيتو يأتي من روسيا وفيتو يأتي من غيرهما من الدول التي تمتلك حق النقض في مجلس الامن؟..
من الاهمية بمكان ان نذكر ان الفيتو هو سلاح بيد الدول العظمى لتحقيق تفوّقها ومصالحها الذاتية أولا وأخيرا ولا يظن أحد غير ذلك...إذ ان نظام حق النقض في مجلس الامن الدولي بحد ذاته ليس عادلا وغير أخلاقي بحيث يظل دائما يذكّر القوي بجبروته والضعيف ببؤسه وقلة حيلته، خاصة وان الولايات المتحدة الاميركية أكثر الدول التي تستغلّه لفرض سياساتها على الصعيد العالمي بأساليب قذرة تفسد الاهداف السامية التي انشئ المجلس من أجلها.
وعليه فان الغارق بالقذارة والاعمال المقرفة في سجن ابو غريب وغيره، لا ينبغي له ان يشمئز، والوقوف على الجانب الآخر من الفيتو الروسي والصيني بشأن سوريا، لا يمنحه البراءة من أجرامه التاريخي بحق أعدل قضية في وقتنا المعاصر وأعني القضية الفلسطينية.. أن الذاكرة الفلسطينية ومن خلفها العربية يجب ان تظل حية بما تحمل من آلام وشقاء بسبب حزمة من الفيتو بلغت حسب الاحصاءات الى نحو ستين مرة من استعمال امريكا للفيتو ضد إنصاف الضحية الفلسطينية، أو لإدانة القاتل المتمثل بالاحتلال الصهيوني الذي وضع نفسه فوق المواثيق والقوانين الدولية.
ان الخزي الامريكي المتمثل على سبيل المثال البسيط، بوقوف امريكا ومعارضتها على دخول فلسطين الى منظمة ثقافية كاليونسكو، يشهد ان هذه الدولة لا يجوز لها ان تقدم نفسها على انها حامية الحريات وحقوق الانسان في سوريا أو في أي مكان آخر من العالم.. والامثلة الصعبة كثيرة على الفظائع الامريكية في التجاوز على حقوق الانسان في أكثر من مكان في العالم كالعراق وأفغانستان.
ان البداهة الانسانية ترفض بشكل قاطع نشاط الآلة العسكرية الرسمية ضد مدنيين ومواطنيين سوريين يطالبون بحقهم في إصلاحات وحريات في بلادهم..ولكن لا ينبغي وبشكل قاطع أيضا للعالم الغربي ومعه دول عربية استغلال هذه المطالب من أجل تغيير النظام الذي ما زال يحظى بعدد غير قليل من تأييد المواطنين والاجهزة الوطنية.
في سوريا إنقسام واضح، من أجل انهائه لا بد من حوار وطني شامل يكون كمعجزة تعيد لحمة الوطن ووحدة أبناءه بكل تياراتهم وأيدلوجياتهم..وهذا السبيل الوحيد الذي يمكن ان يتيح للقوى ذات التأثير لدى النظام والمعارضة على حد سواء للتدخل والمساعدة وتقديم النصح.وهو ما كان صرح به وزير الخارجية الروسية اثناء زيارته لدمشق.
ولكن المشكلة في سوريا ليست بهذه النوايا الحسنة لدى الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها الغربيين ودول عربية تتحالف مع المعسكر الغربي يريدون رسم المنطقة بما يتوافق مع مصالح العالم الغربي الداعم بقوة لدولة الاحتلال الصهيوني التي ترى بإسقاط النظام السوري الداعم للمقاومات العربية أكبر إنتصار لم تحرزه في كل حروبها مع العرب.
ان التباكي الغربي على الانسان ليس هو قضية الغرب في سوريا..بل هو الخداع للتمكن من فرض السيطرة والهيمنة وجعل المنطقة خاضعة للنفوذ الاستعماري بشكله الحديث.
ليس جديدا ان تكون منطقتا العربية محل صراع لنفوذ القوى العظمى، ولكن مطالب الشعوب العربية بالحرية والكرامة يجب ان لا تتحوّل الى جسرلهذه القوى للنفوذ ولفتح الابواب على مصراعيها لتدخلاتها، مما يحدث استقطاب القوى الوطنية حولها فتدخل في صراعات دامية على السلطة مما يولّد فوضى عارمة ويعيد بلادنا الى جهالتها الاولى، أي الى أزمان الانحطاط.
فهل يمكن فهم الفيتو الصيني-الروسي المزدوج موخرا في مجلس الأمن على انه نتاج صراع إرادات دولية ... كما هو تلويح بالقوة لردع الغرب الهائج؟.

CONVERSATION

0 comments: