لم يعرف الفلسطينيون مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين إلا فلسطينيا مؤمنا بالله ورسوله، وبذات القدر مؤمنا بعدالة قضيتة الفلسطينية. لم ينطق الا بالهوى الفلسطيني وبما حض عليه كتاب الله بالجهاد ومحاربة الظلم، لذا ما كان ينشر الا الحلم الفسطيني المتطلع أبدا نحو التحرير وعودة اللاجئين الى ديارهم المغتصبة. كان سياسيا بسيطا ولكن على هذه البساطة كان على دولة الاحتلال ان ترتعد من طروحاته ورؤاه الفكرية: "لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن نعترف بإسرائيل وهي تغتصب أرضنا وحقوقنا ووطننا وتاريخنا".
يستهدفه الاحتلال، يستهدف العلامة المضيئة في النضال الفلسطيني. فيزج في السجون لسنين طويلة، وبعد معانقته للحرية تمتد أيدي الفاشست الى مقامه العالي ليكون الشاهد والشهيد.
سار القساميون على نهج المؤسس..هدْيَهم وبوصلتهم فلسطين. خرجوا من رحم المعاناة الفلسطينية مثلهم مثل أبناء الفصائل الأخرى وعلى أجسادهم وشوم المخيم. جبلتهم المأساة فدائيين مخلصين يكتبون بدمائهم الزكية على جدران الليل العربي المدلهم مواعيد الحرية، كي يفوزوا بما وعد الله المؤمنين بالنصر والتمكين.
بالنقاء والطهر عبروا الى أفئدة الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني، وقتها لأن فلسطين كانت تحتاج الى الصالحين ممّن يمكن الثقة بهم للإستمرار بحمل أمانة الثورة التي وعدت الشعب بالتحرير. ولأن أكبر الفصائل الفلسطينية المتنفذة في منظمة التحرير ذهبت الى اتفاقيات "أوسلو" التي حطّمت كل الاحلام الفلسطينية المشروعة ومنحت العدو الصهيوني شرعية احتلال بلادنا بعد اغتصابها منذ عام 1948.
كانت السلطة الفلسطينية التي أوجدتها هذه الاتفاقيات تغرق بالفساد..كان الإحباط والتيه يرسم معالمه في المجتمع الفلسطيني المتشرذم.. وقتها كانت حماس هي الاقرب الى الحلم الفلسطيني فأعطاها الشعب ثقته بانتخابات المجلس التشريعي عام 2006.
***
أزعم باليقين ان استشهاديي حماس لم يكونوا سوى فلسطييين، ولو حملت أدبيات حماس بأنها الفرع الفلسطيني لجماعة الاخوان المسلمين. ففي ايدولوجيا هذه الحركة ان وقت الجهاد لم يحن بعد..
تغرق فلسطين بدماء ابنائها ... وألاساس المعماري للمسجد الاقصى على شفير الانهيار بفعل الحفريات الاسرائيلية بحثا عن الهيكل، وعدا عن التدنيس اليومي لأروقته من قبل قطعان المستوطنين. ووقت الجهاد لدى الاخوان لم يحن بعد لأن الاتفاق على صحيح الوضوء وعلى صحيح نكح المرأة ما زال يأخذ حيزا ووقتا في جدال الجماعة مع الآخرين.
عندما استولت حركة حماس على السلطة المطلقة في غزة لم تكن هي حماس التي عرفها الشعب الفلسطيني. ولا تشبه حماس التي أسسها الشيخ أحمد ياسين. حماس هذه التي بدأت تجاهر على الملأ بأخوانيتها بدت مفتونة بالسلطة.
أخذت السلطة حماس من المقاومة، سحرها بريق العرش ورنينه الذهبي فصارت المقاومة رجس من أعمال الشيطان. ولكي يستتب لها التمكين بالسلطة استعارت حماس لسان وأدوات سلطة رام الله...إقترب الخطاب ولم تقترب المصالحة لأن الخطاب أسقط فلسطين من البحر الى النهر، والاستبداد بالسلطة لا يعرف طريقا للمصالحة.
البندقية الشريفة بيد الفدائي تحولت الى هراوة، لا تختلف عن الهراوة العربية الموصوفة بالقمع وكأداة للاستبداد، ولكي يكتمل الخزي المريع والتشوّه الخلقي للانسان الفلسطيني يتحوّل الانسان الفدائي الى شرطي يحمي مستوطنات الاحتلال ويقف حارسا على سجون يزج فيها المقاومون.
***
كما كان عار على حكومة رام الله بالتحاقها بالسياسة المصرية العميلة في عهد حسني مبارك، هو عار على حكومة حماس في غزة ان تلتحق بسياسة جماعة الاخوان في مصر، هذه السياسة التي لم تبتعد كثيرا عن السياسة التي أجازت اتفاقيات "كامب ديفد" التي الحقت بالقضية الفلسطينية أفدح الضرر وجلبت لمصر المذلة والعار ولم تجلب الرفاهية للشعب المصري كما وعد أنور السادات المقبور.
جماعة الاخوان اليوم يقايضون الذل بالمهانة، عندما أحد قيادييها وهو عصام العريان يغوص في عراءه المهين ويصرّح بأن مصر ستعيد النظر بالاتفاقيات مع اسرائيل في حال أقدمت الولايات المتحدة الاميركية الى قطع المعونات.
هل هذه سياسة وطنية تبحث عن توفير الكرامة للانسان المصري الذي ثار من أجلها..أم سياسة المساومة على السعر في سوق المتاجرة بالوطن والدين؟!.
***
يصعد الاسلاميون الى السلطة على سلالم "الربيع العربي"، ولديهم الضوء الاخضر الامريكي للمرور...حركة حماس لن تكون استثناء من هذه الظاهرة التي تطرق كل أبواب العواصم العربية..فأي حماس تلك التي ستتبوأ المشهد الفلسطيني؟
مهما حاولت قيادة الحركة التعتيم على الخلافات التي تعصف بجسم الحركة، فأن الانقسام هو واقع ويأخذ شكل النقاشات كما وصفه وزير غزة الاول ومتعدد المواهب اسماعيل هنية.
نريد للنقاشات ان نتنتصرلأحتياجات الشعب الفلسطيني، كشعب منكوب ما زالت بلاده مغتصبة وملايين أبنائه مشردين في الشتات والمنافي .. نريد للنقاشات ان تنتصر لدماء الشهداء الذين استشهدوا في سبيل الحرية والتحرر منذ ستينيات القرن الماضي.
حماس الفلسطينية قلبا وقالبا المعجونة بشقاء المخيم والتي تعيد الفدائي الى موقعه الصحيح، هي التي يجب ان تتقدم الصفوف. وهي حماس الشيخ احمد ياسين التي تؤمن بما قال:"والله لو جائتنا السلطة على طبق من ذهب لرفسناها بأرجلنا وركلناها..نحن لا نريد سلطة, نريد حلاً لقضيتنا".
هل يتذكر المفتونون بالسلطة ما قاله المؤسس؟
0 comments:
إرسال تعليق