وماذا بمصرَ من المبكيات؟/ د. عدنان الظاهر

لستُ مصريَّ الجنسية لكني أحب مصراً شعباً وأرضاً وتأريخاً. أنا عراقي. عرفتها من خلال ما كانت تعرضُ دور السينما العراقية من أفلام مصرية وأغانٍ واقتربتُ منها أكثر من خلال المدرسين المصريين الذين درّسوني في مراحل الدراسة المتوسطة والثانوية ثم الجامعية. أحببتها أكثر من خلال عبد الناصر وإنْ تقلّبَ كثيراً في مجالات السياسة والإقتصاد وأخطأ في حسابات الفرز بين الأصدقاء والأعداء. ثم وجدتُ نفسي أكثر قرباً حين أحببتُ في مصرَ ناساً كانوا وما زالوا أعزّةً عليَّ. بقيت مصرُ مصراً بالأفلام المصرية وبدونها، بمدرسيها وبدونهم ، بعبد الناصر وبغيبته ، بقيت مصر الشعب والأرض والتأريخ.
تابعتُ في شهر يناير 2011 أحداث ثورة الشباب وطلبة الجامعات وباقي الثائرين المصريين في ميدان التحرير وسط القاهرة يوماً يوماً بل وساعةً فساعة و( كنتُ حاضراً ) موقعة الجمل! تابعت الثورة بكل ما لديَّ من وسائل ونشرت خمس مقالاتٍ عنها وحذّرتُ الثائرين من المخطط المشبوه الذي رسمته أمريكا ونفذته عناصر معروفة في قيادات الجيش المصري القاضي بتنحّي أو تنحية حسني مبارك واستلام السلطة والجيش والحكم من قبل مجلس عسكري أعلى للقوات المسلّحة المصرية وهذا ما كان وهذا ما وقع. إستلم الجيش السلطات في مصر أو الأكثر دقة إستلمت عناصر المجلس العسكري الأعلى هذه السلطة فعموم مراتب هذا الجيش وصغار ضباطه هم لا في العير ولا في النفير يؤمرون فينفذون. لعب هذا المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة المصرية أخطر الأدوار في أخطر مراحل الثورة المصرية . لا أقول إنه أجهض الثورة لكنه إستدرجها بخبث وحَنَكة ثم إحتواها بأساليب وعلى مراحل شتّى. دجّنَ ثورة مصر، خفف من زخم إندفاعتها المباركة، مَرحَلَ الشعارات وكسب الأنصار وفرّق الصفوف وكان نصب عينيه وفي مركز أهدافه الكبرى أمران :
الأول : الحفاظ على إتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل وعلى كافة المعاهدات العسكرية والأمنية التي عقدتها مصر الساداتية مع أمريكا.
ثانياً : ضمان حياة حسني مبارك والإبقاء عليه حيّاً رمزاً ومثالاً لهذه النخبة من قادة المجلس العسكري الأعلى للقوات المصرية المسلحة. لتعلمَ مصرُ أنْ ما هذه النُخبة إلاّ مما اختار ودرّب وأعد حسني مبارك نفسه. إنهم أولاده وأيتامه حياً وميتاً وإنه ليوم رد الجميل وسداد ما بذمّتهم من أفضال له عليهم. كانوا مُجبرين على لعب الدور الأمريكي المرسوم والقاضي بإبعاد حسني مبارك عن سدّة الحكم وكان موقف أمريكا وسفارتها في القاهرة أيام الثورة واضحين معروفين للقاصي والداني.
ما دور المجلس العسكري بعد [ تخليه ] عن السلطة لرئيس مَدني مُنتخب ؟
سيبقى ولكن خلف الكواليس يراقب نشاط ومجمل حركات الوزارة المصرية ومجلسي الشعب والشورى ونبض الشارع المصري تزوّده أجهزة المخابرات الأمريكية وغيرها بتفاصيل ما يجري في ميادين مصر وشوارعها وحارتها ونجوعها وقراها ومدنها الدانية والقصية فأمن إسرائيل يبقى الهاجس الأمريكي والإسرائيلي الأكبر. سيلعب الجيش المصري ـ لشديد الأسف ـ ذات الأدوار التي كان يلعبها الجيش التركي والباكستاني في [ ضبط ] ومراقبة تنفيذ الحكومة وحركتها الدؤوبة للأخذ بأسس الديمقراطية الحقيقية واتباع نهج محايد في السياسة الدولية لا يفرّق بين غرب وشرق حتى إذا بلغت الأمور حدوداً لا ترضاها أمريكا وإسرائيل عندئذٍ يكشف المجلس العسكري الأعلى عن نفسه ويلعب الدور المرسوم له فينفّذ إنقلاباً عسكرياً على الطريقة التركية سابقاً والباكستانية حتى اليوم. يعطّل الدستور ويعلن حالة الطوارئ ويحل الحكومة وربما مجلسي الشعب والشورى ويدعو لإنتخابات جديدة تجري بعد عام ... عامين أوأكثر . هذا هو الدور الحقيقي المنوط بالمجلس العسكري الأعلى للقوات المسلّحة المصرية فحذارِ يا مصرُ وحذارِ يا شعب مصر فالأفعى السامّة تبقى حيّةَ لعينةً قابعةً في جحرها المُعدّ سَلَفاً بشكل جيد. هذا المجلس من تربية وإعداد حسني مبارك والولايات المتحدة الأمريكية لا من ستراتيج له إلاّ إبقاء وإدامة معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل والإبقاء على مصر حليفاً وسنداً لإسرائيل وحليفاً ستراتيجياً لأمريكا. هذه هي المهات المنوطية بعناصر قيادة المجلس العسكري وليس كل هذه العناصر سواء. فيهم المنحاز حتى نخاع عظامه لأمريكا وفيهم المعتدل وفيهم المتذبذب وربما فيهم الكاره لأمريكا وإسرائيل.
تركيبة المجلس العسكري /
رؤيتي لتشكيلة المجلس العسكري الأعلى كما يلي /
1 ـ إنَّ المشير محمد حسين الطنطاوي هو محمد نجيب ثورة يوليو 1952 لا أكثر.
2 ـ قلب ولولب هذا المجلس ورأسه المتحرك المّدبّر هو الفريق سامي عنان. إنه رجل أمريكا في قيادة هذا المجلس.
3 ـ لسامي عنان شلّةٌ من الأعوان المخلصين داخل تركيبة المجلس الأعلى وإنه بشلّته هذه يمثل مركز الثقل الأكبر والأقوى والأكثر نفوذاً وتأثيراً في المجلس العسكري.
4 ـ سامي عنان والمافيا العسكرية المحيطة به والمعشعشة تحت إبطيه قادرون بالطبع وفي أي ظرف يحلو لهم ... قادرون على خلع السيد المشير طنطاوي وإحالته على المعاش خاصة وإنه كبير السن وآن أوانُ راحته بإحالته على المعاش. إنْ قاوم ولم يرضخ فثمةَ طائرة عسكرية جاهزة بكامل وقودها لنفيه إلى بلد ما بعينه ( ربما السعودية ... مملكة المطرودين والمنفيين من كبار اللصوص والقتلة ) أو إلى أي بلد يريد وقد جرى مثل هذا السيناريو في العراق عام 1968 مع الرئيس عبد الرحمن محمد عارف . فيا طنطاوي خذْ حِذرك فالماء غزيرٌ وخطيرٌ من حولك!
الخلاصة : لن يتركَ المجلسُ العسكريُّ الأعلى السلطة والحكم في مصر إنما سينسحب للظل ويبقى ساهراً يقظاً مفتوح العينين يراقب أداء الحكومة المدنية المنتخبة وما يجري في مصر من أحداث ومظاهرات واحتجاجات وتصادمات مع شرطة ورجال أمن الدولة وربما مع بعض وحدات الجيش المصري وأنا لا أستبعد ذلك. إذا بقي هذا المجلس يراقب ويتحكمُ بمقدرات مصر ويتعالى على الحكومة المنتخبة فلسوف يأتي يومٌ يرى العالم فيه تصادمات دموية بين أفراد الجيش المصري وأبناء مصر المحتجين والمتظاهرين والمعتصمين. ماذا سيحدث بعد ذلك ؟ لا أدري ولكن في رأسي أجوبة مخيفة لا أود الإفصاح عنها في هذا اليوم.

CONVERSATION

0 comments: