الــرئيــس التــوافقــي/ أنطــونــي ولســن

بدأت تطفو على سطح الأحداث في وطننا الأم مصر تصريحات غريبة علينا لم نعتاد سماعها على مدى عهود وعهود عند إنتهاء فترة حكم أحد حكامنا بدءا بالراحل جمال عبد الناصر وحتى المخلوع مبارك ، فكل ما يحدث هو إستفتاء نتيجته معروفة سوى إشتركت في الإستفتاء أو لم تشترك ، او في حالة الإنتخابات الوهمية فالقادم هو هو الحاكم الحالي فلماذا ننتخب ؟ ولماذا يدفع لكل مرشح منافس ربع مليون جنيه ليدخل الترشيحات منافسا للحاكم المعروف نتيجة الإنتخاب لصالحه مئة بالمئة وإن إهتزت كما حدث مع الدكتور أيمن نور فيتم تلفيق التهم له ويدخلونه السجن ؟

هذه التصريحات عبارة عن لفت أنظار الناس إلى شيء لا يستطيع العقل البشري أن يعرف لها لا لون ولا طعم ولا رائحة ولا حتى معنى يقتنع به .

عندما نسمع عن الرئيس التوافقي يحتار عقل البسيط منا في فهم معنى توافقي إذا أضيفت لكلمة الرئيس !!.

نعرف أن الترشح لإنتخابات الرئيس المقبل لمصر سوف تبدأ رسميا في أوائل الشهر المقبل مارس / آذار . ونعرف أيضا أن هناك عدد لا بأس به من المرشحين لإختيار أحدهما إختيارا " ديمقراطيا " عن طريق صناديق الإقتراع . لكن الحديث عن الرئيس التوافقي لم يخطر لا على بال ولا قلب بشر في العالم كله إلا في مصر !

نعود إلى كلمة توافقي والتي تعني التوافق على رأي أو فكرة أو عمل أو إنسان . والتوافق لا بد أن يكون بين أكثر من شخص أو مجموعة . والمفهوم البسيط غير المعقد عن فكرة الإنتخابات والتي مفروض فيها "النزاهة والديمقراطية " تكون نتيجة الإنتخابات قد أسفرت عن إختيار توافقي لمن حصل على أعلى نسبة من الأصوات تؤهله / تؤهلها لتولي المنصب الذي تم عليه الإقتراع .

لكن ما فهمناه من اللغط الدائر حول الرئيس التوافقي أن جهتين مسؤلتين في مصر قد تم التوافق بينهما على شخص معين يساندونه ويعملون على إنجاحه حتى لو ترشح أمامه من هو أفضل منه وأحق بتولي المنصب . وهذا يعني ترجيح إستخدام كل ماهو محرم وغير مشروع بدفع الرئيس التوافقي للفوز بالمنصب .

هاتان الجهتان هما المجلس العسكري برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي وحزب العدالة والحرية الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين والتي أصبحت تشكل القوة السياسية القادرة على توجيه أمور مصر إلى الوجهة التي يريدونها هم لا الشعب المصري . الوجهة التي قد تكون على عكس ما كانت تنشده مصر عندما إنتفضت إنتفاضتها الثورية في 25 يناير / كانون الثاني عام 2011 .

وهذا يأخذنا إلى يوم الثورة 25 يناير 2011 وربما قبل ذلك بقليل . ونسأل ألم يكن هناك توافقا بالفعل بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وبين جماعة الإخوان قبل الثورة وخاصة بعد الوقوف في وجه الإخوان في إنتخابات 2010 وعدم إنجاح أي منهم مما قرب بينهم وبين المجلس الأعلى الذي كان غاضبا من فكرة توريث رئاسة الجمهورية لغير عسكري حتى لو كان والده " مبارك " عسكريا ؟؟ هذا مجرد إستفهام وتساؤل !!.

هذا التقارب بينهما ألم ينتج عنه توافقا مشتركا للإطاحة بالرئيس مبارك قبل أن يعلن في يونيو 2011 تنحيه لإبنه جمال ؟؟

الشباب المصري وأحداث ثورة تونس وربطها بما يحدث في مصر. أليست ثورة تونس هي الحافز لتضامن الشباب والتجمع بميدان التحرير للمطالبة بالقصاص من الذين ينتهكون حقوق الإنسان المصري ؟؟

تزايد أعداد المتجمعين مع الشباب المصري من جميع أنحاء الجمهورية وفي جميع ميادين المحافظات من أسوان إلى مطروح وبورسعيد والسويس وغيرهم . ألم يجد الفريقان المتوافقان على الإطاحة بمبارك بغيتهم فيما يحدث بميدان التحرير فتم التشاور بينهما على نزول شباب الإخوان أولا والإنضمام إلى شباب الثورة لحين وضوح الرؤيا ؟؟

في يوم 28 يناير 2011 بعدما نزلت القوات المسلحة لحماية المنشئات والحفاظ على الأمن . ألم تكن هذه الفرصة الذهبية للفريقان على نزول الإخوان بكل ثقلهم ضامنين حماية القوات المسلحة لهم ؟؟ وهذا ما تم بالفعل أليس كذلك !!.

الفريقان المتوافقان ، الإخوان والقوات المسلحة أصبحت الفرصة أمامهما سانحة تماما للوصول إلى هدفهما بعدما بدأ المتجمعون يرفعون لافتات إرحل .. إرحل .

على الرغم من أنهما فريقان متوافقان إلا كل منهما يريد تحقيق ما تصبو إليه نفسه والذي أيضا متوافقان عليه وهو الحكم .

أراد المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن لا يترك الساحة للإخوان فقط فبدأ بإظهار صورة وقوة فريق إسلامي له وجوده لكن ليكون مشاركا ، وأعني به السلفيون . وقد تم له ذلك وبالفعل أصبح السلفيون والإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى الأكثرية العددية فبدأ العمل لتقسيم السلطة بين العسكر والإخوان المسلمين " الغالبية " ومن معهم من السلفين والجماعات الإسلامية بعد تخلي مبارك رسميا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة عن الحكم في 11 فبراير / شباط / 2011 الذي أصبح الحاكم الفعلي لمصر.

تم تكوين حزبا للإخوان المسلمين أطلقوا عليه إسم " العدالة والحرية " وكون السلفيون حزبا أطلقوا عليه " النور " على الرغم أنه لم يكن يسمح قانونا بتكوين أحزاب دينية .

يبدو أن خلافات بدأت تنشب بين المجلس والإخوان مما أظهر تخبطا في تصرفات المجلس الأعلى للقوات المسلحة أضعفت من هيبته أمام الإخوان والجماعات الإسلامية الراغبة في تولي كل شيء ، وقد يؤيد هذه النظرية تلك الهتافات التي بدأ ت تنادي بعودة العسكر إلى ثكناتهم وأخرى تهتف " يسقط .. يسقط حكم العسكر " . وبدأ أيضا الهجوم على المشير طنطاوي شخصيا ، بعضها يطالب بمحاكمته لما حدث من أحداث دامية من ماسبيرو إلى محمد محمود ومجلس الوزراء وأكبر مذبحة حدثت في إستاد كرة القدم ببورسعيد والواضح في كل منها تغاضي المجلس الأعلى للقوات المسلحة من القيام بدوره في حماية الشعب وعدم سقوط شهداء بهذا الكم المخيف دون تحديد المسؤلية حتى الأن .

عند ذكر مذبحة بور سعيد يحضرني الأن مقطع من لقاء تم مع أمير الدعاة الشيخ الشعراوي رحمه الله عندما سأله المذيع عن رأيه في لعبة كرة القدم والرياضة عامة . فجاء رده رافضا لأي رياضة غير رياضة الفروسية والرمي لمحاربة أعداء الله والإسلام . وقد عرضه عمرو أديب في برنامجه " القاهرة اليوم " منذ ما يقرب من أسبوع مضى .

والذي دعاني لتذكر ذلك هو الخط الواضح للجماعات الإسلامية عامة ورفضها للرياضة الغربية الكافرة .

نختم بالقول أن ما أستخدم من قول الرئيس التوافقي ليس بالغريب لا على الإخوان ولا على المجلس الأعلى للقوات المسلحة في محاولة لعودة المجلس إلى الثكنات العسكرية دون إراقة ماء الوجه تاركا فكرة الحكم لرئيس توافقي تم الإتفاق عليه بينهما وطبيعي سيوافق عليه الشعب كما وافق على كل شيء من قبل .