اوكازيون فلسطيني!/ سعيد الشيخ

الذين يشتغلون بالتجارة ولديهم خبرة بحركة السوق يعرفون ماهيّة موسم التخفيضات الذي يقيمه التجار، خاصة تجار الالبسة والاحذية. وهو الموسم الذي يقام عدة مرات في العام لجلب الزبائن الذين يأمّون السوق على أمل الاستفادة من التنزيلات المعلنة.
ها هو محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية كالتاجر الشاطر يدعو الاسرائيليين الى الاستفادة من التنزيلات أو التنازلات عن اراضي الوطن الفلسطيني ويحضّهم على الاسراع كي لا تفوتهم الفرصة...
وهي فرصة قبول الفلسطينين بأقل من ربع فلسطين التاريخية لاقامة دولتهم عليها. وحسب لغة السوق فأن فريق محمود عباس قد ارتضى مقايضة الارض بمقابل السلام حتى دون تحقيق حدود رأس المال... وبما لا يدع الشك ان قادة الكيان الصهيوني غير راغبين بالسلام ولا حتى مع اغراءات التنازلات الفلسطيينية، لذا فأن عباس يستعطفهم بألا يديروا ظهورهم لبضاعته، ومحذرا من ان هذه الفرصة لن تبقى متوفرة لمدة طويلة.
يطرح عباس تصريحاته بلغة اقتصادية لتنتهي الى هدفها السياسي تماهيا مع المناسبة وهي مؤتمر المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في استنبول يوم 5 أيار الجاري ..
 وهذه التصريحات للسيد عباس بات لها اطارها العام من الاستفزازات المستمرة ضد تطلعات الشعب الفلسطيني. وكأن وظيفة الرئيس في السلطة الوطنية شغلتها الدائمة صناعة الاحباط واليأس، حتى بات الشعب الفلسطيني لا يفهم كيف ان تصريحات أقطاب السلطة تحمل في طياتها حرصا على المصالح الاسرائيلية اكثر من الحرص على حقوق اللاجئين وقضية القدس. وحرصهم على تأمين الضخ المالي من المساعدات لاستمرار هذه السلطة اكثرمن تحسين الحياة المعيشية للشعب الفلسطيني.
كلام عباس في المنتدى الاقتصادي باستنبول يأتي وكأنه خبط في الهواء، فهو بالنسبة للشعب الفلسطيني وكأنه رشّ الملح على جراحهم، خاصة حينما يقول بأن الشعب الفلسطيني ارتضى بأقل من ربع البلاد في سبيل السلام، وهذا كذب مفضوح حين لم ينل الفلسطينيون شيئا من السلام وهم يموتون جراء استمرار العدوانية العسكرية المتوحشة ضد اماكن تواجدهم كما ان السجون الاسرائيلية تتكدس بآلاف المعتقلين من الشباب الفلسطيني، وهناك في بقاع الارض ملايين من اللاجئين محرمون من الوطن ويتطلعون الى حق العودة .. ومن جهة ثانية فكلام عباس لا يرضي السياسة الاسرائيلية الاقصائية والتي لها مفهمومها الخاص للسلام، ويتلخص في تطلعها الى الربع من الاراضي الذي يشير اليه عباس كدولة فلسطينية.
وعلى حجم الاوكازيون الكبير الذي يقدمه عباس فأنه ما زال لا يرضي الامريكيين أيضا الذين سارعوا الى الاعلان بلسان الرئيس باراك اوباما "على ما يبدو أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يهتم ببناء عملية السلام مع الإسرائيليين"، معرباً عن خشيته من أن نافذة فرص التوصل لاتفاق سلام قد أغلقت أمام الجهود المبذولة بسبب الجمود التي وصلت إليه في الآونة الأخيرة.
وعليه فأن السلطة الفلسطينية عليها ان تتوقع بمزيد من المطالب الاميركية والاسرائيلية  مصحوبة بضغط عربي بأوكازيون مفتوح حتى تصل هذه السلطة الى مرحلة التصفيات، شأن التجار الذين يجرون تصفية على بضائعهم. خاصة على ضوء لازمة عباس المكرّرة، بأنه لن يسمح بإنتفاضة ثالثة طالما هو رئيس للسلطة!
فهل يسمح الشعب الفلسطيني لهذا الواقع البائس ان يظل يهيمن على معالم حياته، أم ينتفض وينال حريته وكرامته أسوة بالشعوب العربية المنتفضة؟
*كاتب فلسطيني 

CONVERSATION

0 comments: