صاحبة الجلالة تلتزم الأمانة والصدق والمسؤوليّة فقط
الصحافة، كما يعرّفها الإعلامي والأديب فؤاد الحاج في كتابه الجديد "الصحافة العربيّة في أستراليا" ونقلاً عن مصادر ودراية كثيرة، هي مهنة جامع الأخبار وناشرها في صحيفة، والصحيفة تتضمّن "أخبار السياسة والإقتصاد والإجتماع والثقافة وما يتّصل بها" والخبر الناجح هو الخبر الذي يجيب عن أسئلة "من؟ ماذا؟ متى؟ أين ؟ لماذا؟ وكيف"؟.
وتضيف مصادر فؤاد الحاج ودرايته أن الخبر صنفان: الأوّل! حوادث وقعت وحوادث ستقع والدليل على الأولى هو وقوعها والدليل على الثانية، أي التي ستقع، هي معطيات، ولكن لا تدخل مثل الأولى في باب التأكيد بقدر ما تدخل في باب التوقّعات. أمّا الصنف الثاني فهو الخبر المدسوس ـ المسموم، والصنف الثاني هذا يفرد له الكاتب صفحات كثيرة يكشف فيها عن المؤامرات والجرائم التي يشترك فيها الإعلام بأشكاله كافّة "المكتوبة والمسموعة والمرئيّة والرقميّة" من خلال بثّ الأخبار الصفراء مراراً وتكراراً، مرّة لغسل الأدمغة وترويضها قبولاً بالأمر الواقع، مرّة تبريراً لحروب مثل الترويج سنة 1898 أن البارجة الحربيّة الأميركيّة "ماين" غرقت في مرفأ هافانا بانفجار دبّرته إسبانيا، والنتيجة! احتلال أميركا كلاً من كوبا وبورتوريكو والفيلبين وجزيرة غوام، لينكشف سنة 1911 أن البارجة غرقت نتيجة انفجار عرضي وقع في حجرة محرّكات البارجة ماين ولا شأن للأسبان بهذا الإنفجار العرضي وإن الصحافة التي كانت تكتب تحريضاً على الحرب: "تذكّروا الماين ... الموت للإسبان" كانت صحافة مأجورة.
وفي عام 1964 ادّعت أميركا أن فيتنام الشماليّة تعرّضت بطوربيدات لمدمّرتين لها وندّد الإعلام الكاذب "بالإذلال" وطالب "بالإنتقام" وكانت حرب فيتنام التي ذهب ضحيّتها الملايين وانتهت باندحار أميركا سنة 1975 ليعترف طاقما المدمّرتين في ما بعد أن الطوربيدات الفيتناميّة على المدمّرتين في خليج تونكان كانت مختلقة تماماً. وهكذا مرّات كلّها أحابيل لا تليق بالصحافة صاحبة الجلالة الملتزمة الأمانة والصدق والمسؤوليّة.
وبعد جولات غنيّة بالمعلومات على تاريخ الصحافة، ربّما تفيض عن الحاجة، يسعى المؤلّف على قدره لمجاراة عنوان الكتاب: "الصحافة العربيّة في أستراليا" ليؤكّد أن الصحافة هذه نشأت في كنف حنين أبناء الجالية العربيّة إلى تتبّع أخبار الأوطان الأم، وما الإقبال المتزايد عليها خلال الأزمات الحادّة في الأوطان الأم إلاّ جانب من الدليل على ذلك، وإن الصحافة المهجريّة العربيّة الأستراليّة واللبنانيّة منها في الطليعة اعتمدت على القرّاء والمعلنين وكان وراء إصدارها "مغامرون" نقلاً عن عميد الإعلام اللبناني والعربي في سيدني الراحل بطرس عنداري.
ويؤكّد الكاتب أن عشيّة الحرب في لبنان سنة 1975 ازدهرت الصحافة المهجريّة في سيدني إلى التسعينيّات من القرن الفائت، وقد زاد في ربيعها تزايد الهجرة ليس من لبنان وحسب إلى الولايات الأستراليّة كافّة إنّما أيضاً من العراق وفلسطين وسوريا ومصر والسودان وأرتيريا، وزاد مجموع الصحف والمجلاّت والنشرات العربيّة على 120 جلّها الساحق كفّ عن الصدور بعضها بسبب تراكم الأعباء الماليّة، بعضها لفشل حلم "الكسب السريع" وبعضها لخلافات ماديّة بين المؤسّسين.
وفيما يمتدح فؤاد الحاج في كتابة الإعلامَ المهجري في توفير الخبر ولو غالباً من طريق القصّ واللصق كما يقول فإنّه يركِّز أكثر على مثالب هذه الصحافة من وجهة نظره باعتبارها فشلت في كشف زيف الإعلام المعادي للعرب، وإنّها على "هوى صاحبها أو مموّلها" وافتقدت إلى صحافيين متخصّصين في المجالات كافّة ومنها الإقتصاديّة والفنيّة والثقافيّة والإجتماعيّة والرياضيّة مثلما فشلت في إيصال صوت الجالية إلى غير العرب. وأخيراً وليس آخراً ساهمت هذه الصحافة في تكريس الإنقسام عوض التوحيد وغالباً لإنّها صحافة جهويّة.
وعلى رغم كلّ شيء فإنّنا من طريق الصحافة العربيّة نعلم إن مسعود النشبي نقلاً عن جاد الحاج الشاعر والصحافي كان أوّل عربي ولبناني يطأ أرض أستراليا "مغادراً إليها من بشرّي سنة 1882 على باخرة تجاريّة تجوب المحيطات بشروال وطربوش أحمر. وحطّ في أديلايد من دون أن يعرف وفي حوزته صلبان وسلاسل وصور قدّيسين". وبما إنّ هذه الرواية غير موثّقة فيقول فؤاد الحاج أن هناك روايات لا تتطابق عن سنة هجرة النشبي إلى أستراليا فبدلاً من سنة 1883 هناك من يقول أن الهجرة تمّت سنة 1880 ومنهم من يقول سنة 1854 ومنم من يقول سنة 1852 ومنهم من ينقل أن الأخوين فخري من بشرّي أيضاً نزلا أديلايد بطريق الخطأ سنة 1876 وهما يعتقدان أنّهما في نيويورك. وفي مرويّات فيليب حتّي عن الهجرة اللبنانيّة أن أحد وكلاء شركة سفر في مرسيليا أخطأ فوضع مهاجراً لبنانيّاً على مركب مسافر إلى أستراليا بدلاً من نيويورك، ولم يذكر إسم هذا المهاجر ولا السنة فضلاً عن قوله بمهاجر واحد لا مهاجرين إثنين!.
كتاب "الصحافة العربيّة في أستراليا " لفؤاد الحاج والذي يقع في 394 صفحة من القطع الكبير ـ دار هوت غولد هو جهد استثنائي غني وخصوصاً في فصول: "الصحافة العربيّة تعريفها وتطوّرها" و"اللبنانيّون روّاد الصحافة العربيّة" و"التضليل والخداع الإعلامي \ العراق أنموذجاً".
Shawki1@optusnet.com.au
0 comments:
إرسال تعليق