هل يتصور أحد أن هناك من يخشى الحرية ويغلق دونها باب قلبه؟ للأسف كثرٌ هُم من يخافون من الحرية ويحذرونها وذلك لأنها تضعهم وجها لوجه أمام اتخذا القرار وتحديد المصير .. فللحرية ضريبة وليس كل البشر قادرين على تحمل تلك الضرائب والتكاليف .. هذه الضريبة هى تحمل المسؤولية ولنبدأ منذ بدأ الخليقة حين عرض الله الحرية على السموات والأرض والجبال فرفضت ؛ أى عرض علي هذه المخلوقات أن أن تكون مخيرة وليست مسيرة ثم يجازيها على أفعالها سواء بالخير أو بالشر.
قال تعالى: "إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا"(الأحزاب:72)
فأبين أن يحملنها وأشفقن منها :أي : خفن من الأمانة أن لا يؤدينها فيلحقهن العقاب وحملها الإنسان: يعني : آدم عليه السلام ، فقال الله لآدم : إني عرضت الأمانة على السموات والأرض والجبال فلم تطقها فهل أنت آخذها بما فيها ؟ قال : يا رب وما فيها ؟ قال إن أحسنت جوزيت ، وإن أسأت عوقبت ، فتحملها آدم .
قال مجاهد : فما كان بين أن تحمَّلها وبين أن خرج من الجنة إلا مقدار ما بين الظهر والعصر..
وحكى" النقَّاش" بإسناده عن ابن مسعود أنه قال : مثلت الأمانة كصخرة ملقاة ، ودعيت السماوات والأرض والجبال إليها فلم يقربوا منها ، وقالوا : لا نطيق حملها ، وجاء آدم من غير أن يدعى ، وحرك الصخرة ، وقال : لو أمرت بحملها لحملتها ، فقلن له : احملها ، فحملها إلى ركبتيه ثم وضعها ، وقال والله لو أردت أن أزداد لزدت ، فقلن له : احملها فحملها إلى حقوه ، ثم وضعها ، وقال : والله لو أردت أن أزداد لزدت ، فقلن له احمل فحملها حتى وضعها على عاتقه ، فأراد أن يضعها فقال الله : مكانك فإنها في عنقك وعنق ذريتك إلى يوم القيامة . إنه كان ظلوما جهولا: قال ابن عباس : ظلوما لنفسه جهولا بأمر الله وما احتمل من الأمانة . أى أن آدم لم يكن يعرف حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه حين وافق على حملها لكنه تبين له بعد ذلك ثقلها. ومن هنا فقد خشى كثير من ذريته من تحمل المسؤولية.
والحرية كما يطلق عليها الأديب الأيرلندى :جورج برنارد شو" هى مرادف للمسؤولية ولذلك يفزع منها معظم الناس.
وتتفاقم مشكلة الخوف من الحرية مع من ظلوا فترة طويلة فى الرق أو الأسر أو الاستعباد حيث يعتادون حياة العبودية ولا يجدون أنفسهم قادرين بعد ذلك على التصرف كأحرار حتى لو أتيحت لهم فرصة التحرر ، وليس هناك أدل على ذلك من ذهاب كثير من العبيد الذين حررهم "أبراهام لينكولن" – محرر العبيد فى أمريكا – إلى ساداتهم طالبين الرق رافضين حياة الحرية.
ويروى لنا التاريخ أن النعمان بن المنذر حليف كسرى أنو شروان الملك الفارسى أرسل حملة إلى عرب بنى تميم لتأديبهم لامتناعهم عن دفع الإتاوة فهاجمهم وهزمهم واستولى على ممتلكاتهم وأموالهم وسبى نساءهم.
فقرر سادات بنى تميم واشرافها أن يسيروا إلى النعمان فى الحيرة ليكلموه فى إطلاق سراح سباياه من نساء بنى تميم ولما قابلوه جعل الخيار فى ذلك للنساء فمن أرادت زوجها ردت إليه ومن أرادت البقاء مع سابيها بقيت معه فى الحيرة وفضلت كثيرات البقاء فى السبى ولما جاء دور ابنة قيس بن عاصم أحد كبار أشراف بنى تميم اختارت سابيها على زوجها ورفضت الرجوع مع أهلها فصدم أبوها صدمة شديدة ، واغتم زوجها وشعر الاثنان بعار شديد ورجع بنو تميم إلى منازلهم وقد نذر "قيس بن عاصم" أن يدس كل بنت تولد له فى التراب ، وأن يئدها وهى حية..ومن ثم انتشرت هذه الفضيحة فى قبائل العرب ، وأن البنات لا يجلبن إلا العار فأقبلوا على وأد بناتهم خشية العار والفضيحة ، وانتشر ذلك فى أنحاء الجزيرة العربية حتى مكة وأهلها.
وإن التاريخ يعيد نفسه فالذين خرجوا منادين بعيش ، حرية ، عدالة اجتماعية هم الأحرار فقط من هذا الشعب أما من فضلوا العودة للنظام القديم بعد التحرر منه هم العبيد الذين استمرأوا حياة العبودية فى ظل نظام مبارك ، عار علينا إن تركناهم يفعلون.
0 comments:
إرسال تعليق