..... التكريم للأفراد والمؤسسات يأتي على خلفية التميز والانجاز والإبداع في مجال سياسي،اجتماعي،اقتصادي،تربوي،ثقافي،علمي..الخ.
ولكن البعض عندنا يصر على "تعهير" حفلات التكريم وتفريغها من محتواها ومضمونها النبيل،لتصل حد إقامة حفلات التكريم مدفوعة الأجر،وبمعنى ملموس أن يقوم متعهد حفلات تكريم أو كما هو الحال متعهد صحافة وإعلام،بالتوجه الى شخصية معينة من أجل إقامة حفل تكريمي له/ا مقابل مبلغ معين على أن تتولى الشخصية المكرمة دفع تكاليف الحفلة كاملة،بما فيها ثمن الدرع الذي سيكرم أو تكرم به،على أن يتولى المتعهد دعوة شخصيات ورموز وطنية ودينية ومجتمعية للحفل،وأن تلقى الشخصيات الأبرز كلمات تشيد بإنجازات المكرم/ة،وطبعاً تلك الانجازات والإبداعات ليس لها وجود في أرض الواقع،ولكن الحضور المتميز والتغطية الإعلامية للحفل تخلق هالة حول الشخص أو الشخصية المكرم/ة،وقد شهدنا في الآونة الأخيرة إقامة مثل هذه الحفلات،وخصوصاً في المجالات التربوية والتعليمية والفنية ..الخ،والمأساة ليست في المكرمين/ات ولا في القائمين على حفلات التكريم تلك،فما يهمهم بالأساس الشهرة والسمعة والمصلحة والمنفعة وإبراز الذات والتأكيد على الوجود والدور،ولكن أن تنجر الى مثل تلك الحفلات رموز وطنية ودينية ومجتمعية ولكي تشييد او تثمن إنجازات تلك الشخصيات المكرمة،والتي ليس لها وجود على أرض الواقع فهذا بحد ذاته يعني انقلاب في المفاهيم واختلال في المعايير وسيادة سياسة التزلف والنفاق الاجتماعي التي نشتهر بها نحن العرب دون غيرنا،وهي من الأسباب الجوهرية التي تقف خلف شيوع وانتشار وتسفيه حفلات التكريم،حيث أننا في ظل هذا الزمن الحراشي،وفلتان الحبل على غاربه،فلا غرابة ان تقام الحفلات التكريمية لمن هم/ن من يتحملون أو يتحملن جزء مهم من خراب ودمار مجتمعنا،أو تراجع العملية التربوية والتعليمية،وليجري تكريمهم/ن على انهم/ن رواد ومبدعين/ات في العمل الاجتماعي والتربوي والتعليمي والأدبي والثقافي والفني وغيرها،وهنا أستحضر صدور أكثر من مجلة نسوية بالورق الملون فارغة المحتوى والمضمون وغالية الثمن ممولة من قبل شخصيات ومؤسسات لها وزنها أو دورها في البلد،وعملية التمويل تلك مرتبطة بمصالح ومنافع مشتركة"خذ وأعطي" و"إبسطني ببسطك".
وطامتنا الكبرى في هذه البلد عامة وفي القدس،أنه لا يكاد يمر يوم الا ونسمع عن حفلات تكريم لشخصيات وسيدات مقدسيات حققوا او حققن من الانجازات والإبداعات ما لم تحققه شخصيات دخلت التاريخ من بوابة انجازاتها،والتي لعبت دورا كبيرا في إحداث تغيير جدي في مسار الكون والبشرية جمعاء،أي دخلت التاريخ برصيدها الطويل من إبداعات وإنجازات واختراعات وانتصارات حققتها،وليس كما هو الحال عندنا،حيث أن من يفشلون/ن أو ينهبون/ن ويسرقون/ن ويهدرون/ن المال العام،أو جلبوا الهزائم لشعبنا وقضيتنا،فإنهم/ن يتصدرون/ن قائمة الحضور الأولى والتكريم على خشبة المسرح،وحتى لا أتهم بالتعميم فهذا لا يأخذ الصفة العامة.
ولعل ما تغدقه تلك الشخصيات من اموال وما تتمتع به من خلفيات "ثقافية" ومميزات ومفاتن جسدية وعلاقات شخصية ومصالح ومنافع متبادلة تجعل تلك العوامل هي الرئيسية في حفلات التكريم المذكورة،وهذا بحد ذاته "تعريص" للتكريم وجعله مادة للتندر و"التطقيس" من قبل الكثيرين من ابناء شعبنا،وبما يسيء لتلك الفكرة النبيلة والغرض والهدف منها.
نعم الحابل مختلط بالنابل والقمح غير مفروز عن الزوان،ومعايير مختلة وقيم منهارة،ومصالح ومنافع يترتب عليها الكثير من الأمور في تسفيه وتشويه للقيم والمعاني النبيلة،بحيث تندفع الطحالب على السطح لتحتل المسرح ولتخلي وتزيح عن خشبته من تستحق او يستحق ان ت/يكون أهلاً للوجود عليه،ولكن هذه حالة طارئة لن تدوم،فالأمور مهما خرجت عن سياقاتها في مرحلة رديئة،لا بد ان تعود الأمور ولتوضع السكة على التلم من جديد.
أنت تصاب بغصة في الحلق وحالة من الغثيان الذي يصل بك الى حدد التقزز،عندما ترى امرأة مناضلة دفعت الكثير من عمرها فداءاً وتضحيةً ونضالاً يطاردها الاحتلال هي وأسرتها في لقمة عيشها وينغص عليها حياتها،لم تبادر أي جهة الى إقامة حفلة تكريم لها لدورها البطولي والنضالي او لصمودها الأسطوري،بينما نرى بأن هنالك الكثير من المكرمين/ات والذين/اتي لا يستحقون/ن شرف التكريم،بل يجب مساءلتهم/ن ومحاسبتهم/ن على أعمال لهم/ن سببت الضرر والخسارة أو الإساءة للمجتمع والقضية،يشاد بإنجازاتهم/ن وابدعاتهم/ن الوهمية في عملية تلميع واضحة الأهداف والمرامي.
قولوا لي أليس من العار مثلاً أن لا يكرم العديد ممن قادوا معارك الأسرى ونضالاتهم،في الوقت الذي تجري فيه عمليات تكريم لأفراد ومؤسسات،لم تقدم شيئاً لنصرة هؤلاء الأسرى،فقط إلا لكون هؤلاء الأشخاص او تلك المؤسسات نافذه وصاحبة قرار هنا او هناك؟.
المأساة والمصيبة هنا بأن الاحتلال يدمر نسيجنا المجتمعي ونحن ندمر ذاتنا،وكأننا نريد كما فعل نيرون بروما أن نهدم المعبد على رؤوسنا ونحرق روما ومن فيها،ونحن بحاجة لمن ينقذنا من أنفسنا،نحن ندخل مرحلة الانهيار والاستنقاع في كل شيء،نفشل في المفاوضات وكل الشواهد والحقائق والمعطيات تقول بأنها فاشلة وعقيمة وعبثية ولن توصلنا الى تحقيق أهدافنا،ولكننا نصر على أنها نهجنا وخيارنا الوحيد،وحتى عندما نجبر للعودة اليها بدون شروط نفلسف الأمور،بأن العودة لها كانت ثمرة لصمودنا وانتصاراتنا"هزيمتنا" ونرقص ونغني ونكرم القائمين عليها؟؟. أي مفارقات تلك،وأي عقلية تحكمنا.!!
وأيضاً حالنا في المقاومة نكثر الحديث عنها في القول والشعار والخطاب،ولكن نقلل من قيمتها في الممارسة والفعل،ونصر على أننا رواد وأبطال المقاومة،ونتغنى بالأمجاد والماضي ونقيم الأعراس وحفلات التكريم،ونطلق الرصاص في الهواء،ونلعب على وتر العواطف والمشاعر للجماهير التواقة للنضال والتضحية والفداء،ولكن في سبيل مصالحنا وأهدافنا الذاتية والفئوية نجرم المقاومة أو نعتقل من يمارسها أو يقوم بها أو حتى يحرض عليها.
علينا أن نعيد تجليس الهرم ليجلس على قاعدته وليس على رأسه،علينا أن نعطي الأشخاص المنجزين/ات والمبدعين/ات والمبادرين/ات ما يستحقونه من تكريم وقيمة،وكذلك علينا أن لا نكرم أو نعطي قيمة لأناس ليسوا قدوة أو قوة مثل لشعبنا وأمتنا في مجالات وخانات وعناوين،لا يستحقون/ين أن يكرموا/ن عليها،بل يجب مساءلتهم/ن ومحاسبتهم/ن على قصوراتهم/ن واخفاقاتهم/ن.
0 comments:
إرسال تعليق