أستراليا
المناضل البطل شهيد الحرية عُمر المختار برأي أنه أخر المناضلين من أجل حرية وطنه ليبيا في الشرق العربي . حقيقة كانت المناضلة الجزائرية جميلة بوحريد أيضا مناضلة كتبت بدمائها سطور حب الوطن والتضحية من أجل سلامة الوطن . مما لا شك فيه كثيرون ناضلوا من أجل بلدانهم وحرية أوطانهم . لكن عندما ذكرت البطل عُمر المختار على أنه أخر المناضلين ، إرتكزت على الوضع الحالي للوطن العربي والمأساة التي يعيشها هذا الوطن الذي ضاعت منه نخوة حب الوطن والزود عنه بالغالي والنفيس .
لقد شاهدت هذا الفيلم عن عٌمر المختار حديثا " سبق وشاهدته منذ فترة طويلة " لذا بعض المشاهد الهامة مازالت عالقة وأنا أكتب عنه .
قام بأداء دور عٌمر المختار الممثل المكسيكي القدير أنطوني كوين . ولمن يستعجب عن إسمي " أنطوني ولسن " احب أن أنتهز هذه الفرصة وأقول لهم السبب مبتعدا قليلا عن صلب الموضوع الذي سأعود إليه .
في 27 سبتمبر عام 1974 ذهبنا زوجتي وأنا إلى إدارة الهجرة في سيدني تلبية لدعوتهم لنا لمناقشة موضوع حصولنا على الجنسية الأسترالية . دردشة جميلة وشعور بإرتياح مع من يتحدثون إليك " رجلان وإمرأتان " . في وسط الدردشة سألني أحدهم " مستر إبراهيم هل تحب تغير أي شيء الأن " . سألته ماذا تعني بأي شيء . جاءني رده " مثل إسمك " . سألته مرة أخرى " وهل هذا سيكلفني شيء ؟ " . أجاب " الأن لا ، لكن بعد حصولك على الجنسية نعم " .
فجاء ردي نعم أريد بالفعل تغير إسمي . سألتني إحدى السيدتين " ماذا تريد بالنسبة إلى إسم العائلة ؟ " . فكان ردي " ولسن " . سألني الرجل الثاني " وماذا عن إسمك أنت ؟ " . رفعت رأسي إلى سقف الغرفة دون أن أعرف لماذا فعلت ذلك وإذ بي أرى وجه الممثل أنطوني كوين يطل علي فقلت له على الفور " أنطوني " . فصاحت السيدة الأخرى قائلة " واوو.. هائل " . وتم التغير الرسمي في يوم 15 أكتوبر 1974 . سامحوني إذا ذكرت هذه الواقعة . لكن الحديث بالحديث يذكر ونحن نتكلم عن شخصية عُمر المختار الذي جسدها الرائع أنطوني كوين .
نعود إلى المناضل البطل عُمر المختار الذي وقف في وجه الفاشية الأستعمارية الإيطالية والتي شاركت بقية الدول الغربية كعكة تقسيم الوطن العربي بعد إنتهاء الخلافة العثمانية في تركيا .
حقيقة أن إنجلترا كانت قد إحتلت مصر منذ عام 1882 وأصبحت المتحكمة في حكم أسرة محمد على وفي البلاد . إلا أنها لم تواجه " إنجلترا " مقاومة مثل ما واجهت إيطاليا في ليبيا بعد ذلك على الرغم من وجود مناضلين وقفوا في وجه المستعمر البريطاني في مصر . لكن مازلت أعتقد أن المناضل عُمر المختار ومن تبعه من الشرفاء كان لهم تأثير كبير على المستعمر الإيطالي في نضالهم ضده على الرغم من معدات قتالهم لا يمكن مقارنتها بمعدات الفاشيين الطليان . ومع ذلك كانوا شوكة في ظهرهم .
حاولت إيطاليا شراء عُمر المختار ومن معه بعرض مغري بدفع 50 ألف ليرة شهرية مع بيت ليكمل ما تبقى له من عمر منعما قرير العين بدلا من حياة التشرد في الجبال والقتال الذي لن ينجح في طرد المستعمر .
بعد رفضه للعرض ، وطرد من حاولوا إقناعه ومن معه بالعمل مثلهم وقبول المستعمر، مما دفع بالحاكم العسكري الإيطالي بمطاردته في الجبال وبأحدث الأسلحة في ذلك الوقت من مدافع ودبابات وطائرات . ومع ذلك صمد عُمر المختار وحارب المستعمر ببندقية ولا شيء أخر من أسلحة حديثة ولم يلقي السلاح إلا بعد مقتل رفيق النضال مما إضطره إلى الفرار إلى الجبال . لكنهم قبضوا عليه وقدموه للمحاكمة .
حكمت المحكمة عليه بالأعدام شنقا أمام الشعب الليبي .
المشهد الأخير في الفيلم . مشهد تنفيذ حكم الأعدام تجسدت فيه قوة وعظمة هذا المناضل الذي أرعب الجيش الإيطالي على الرغم من بساطة سلاحه الذي تركز ليس فقط في البندقية ، لكنها تركزت على النخوة والشجاعة والتحدي للمستعمر هو ورفاقه حتى النفس الأخير .
وقف عُمر المختار شامخا أمام شعبه غير منهار أو مرتعب . وضع نظارته على عينيه وجال بهما أرض وطنه وجباله مودعا . ثم قال كلمته الأخيرة " إنا لله وإنا إليه لراجعون " . أخرج من جيبه مصحفا مصغرا . بدأ يقرأ منه بعضا من الآيات . ثم تم تنفيذ حكم الأعدام . سقط وسقطت نظارته .
إنطلقت زغاريد النسوة وتكبير الرجال والشباب فرحا برحيل رجل العزة والكرامة وحب الوطن حتى أخر لحظة من عمره .
هكذا عاش ، وهكذا مات عُمر المختار الذي لم ولن يأتي مثله من بعد .
حدث ذلك في بداية الثلاثينات من القرن العشرين . فهل أنجبت الدول العربية مناضلا مثل عُمر المختار ؟؟؟!!! . لا أظن !!..
كل الزعماء والقواد بعد ذلك كانوا على أتم إستعداد لبيع أوطانهم في سبيل الحكم كما فعل البعض من الليبين في عهد عُمر المختار .
لو نظرنا الأن ، اليوم ، في هذه اللحظة حولنا وما يحدث بأسم الربيع العربي وحاولنا البحث عن شجاع بطل مثل عُمر المختار ليقول لا لأميركا وربيبتها إنجلترا ويرفض تدخلهما المشؤم . فلن نجد . الكل باطلا قتلوا وقاتلوا شعوبهم تمهيدا لتمليك المستعمر حكم البلاد بأسمهم . ومنهم من أظهر عدم ولائه لوطنه وعلانية عندما طالبوا بما يسمى " الخلافة الإسلامية " .
ينافقون ويكذبون على أرواحهم وشعوبهم ويقسمون بأغلظ الإيمانات بأنهم لن يفعلوا هذا إلا من أجل الوطن . والوطن منهم بريء إنهم لا يهتمون بالوطن ، إنما يهتمون بأنفسهم إولا وأخيرا . سيناء على وشك الضياع بعد دفع الشعب المصري ثمنا باهظا من أرواح شبابه للحفاظ على أرضها المصرية . ومع ذلك تقدم فوق طبق من ذهب إلى غير المصريين لأنهم مثلهم يحلمون أو ينافقون بأسم دولة الخلافة التي عاصمتها ليست القاهرة ، بل القدس الشريف .
أبكيك يا عُمر المختار وأبكي على الربيع العربي الذي ما هو إلا أكذوبة القرن الحادي والعشرين ، وأضحوكة المجاهدين الجدد الذين يحلمون لأنفسهم فقط وليس لأوطانهم ، ولا فارق بين خونة الأمس وخونة اليوم
0 comments:
إرسال تعليق