حذار من الإستثمار السياسي المتسرع للعدوان على غزة/ راسم عبيدات

......عندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى- انتفاضة الحجر- في اواخر عام 1987 ،كان الرهان عليها في ان تحقق الحد الأدنى من الحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني،دولة على حدود الرابع من حزيران 1967،وان تنقل الدولة الفلسطينية من الإمكانية التاريخية إلى الإمكانية الواقعية،وتشكلت قيادة الانتفاضة الموحدة لهذا الغرض،وتولت إدارة شؤون الانتفاضة والشعب الفلسطيني في كل المجالات والميادين،وقد استطاعت الانتفاضة ان تنهك العدو وان تجعل من مشروع احتلاله مشروعا خاسراً،ولكن هناك في الساحة الفلسطينية من استعجل قطف الثمار السياسية لتلك الانتفاضة وأدخلنا في نفق أوسلو المظلم،والذي ما زال شعبنا يدفع ثمن دخوله في هذا النفق وهذا المسار حتى اليوم،حيث انه شكل انتصار ثانيا لدولة الاحتلال،واتى بسلطة فلسطينية محدودة الصلاحيات وغير مالكة للسيادة،والاحتلال جعل منها وكيلا ً رديئاً له،وهي حتى اللحظة الراهنة،بعدما أقامت تلك السلطة فإنها عاجزة عن الخروج من هذا المجرى والمسار التصفوي،حيث نمت مصالح وامتيازات للفريق المنتفع من هذه السلطة،وهو يحرص على بقاءها واستمرارها كمشروع استثماري ومصالح وامتيازات،وكذلك الاحتلال أيضاً يحرص على وجودها كسلطة لما توفره له من تنسيق امني وتبعية اقتصادية،وهذا الجزء المهم للاحتلال من اتفاق اوسلو.
واليوم عندما يشن الاحتلال عدوانا غاشماً على قطاع غزة من أجل كسر ارادة المقاومة وتطويع شعبنا هناك ودفعه الى مشاريع وحلول سياسية تنهي المقاومة،وتفرض عليه حلول في جوهرها تصفية للمشروع الوطني الفلسطيني وشطب للقضية الوطنية،فإننا نحذر من أية استثمارات سياسية متسرعة لنتائج العدوان على غزة والتي قدي تقودنا الى ما قادنا إليه أوسلو.
 في الوقت الذي تسجل فيه مقاومتنا وشعبنا هناك أروع ملاحم البطولة والصمود والانتصارات،فإن هناك شيء ما يطبخ في الخفاء ويدبر لغزة والمقاومة،ونحن لسنا ضد حملات الدعم والتضامن لشعبنا في القطاع،والزيارات العربية والإسلامية،ولكن ما أخشاه ما تحمله تلك الزيارات من مدلولات وأهداف سياسية،وخصوصاً ان هناك تشكك وعدم ثقة في أول المبادرين لتلك الزيارات للقطاع وما يحمله من رؤيا ومشاريع سياسية، وخصوصاً اننا نعلم جيداً انه لعب دوراً كبيراً في تطويع حماس وتحريضها على النظام السوري واحتضن قيادتها،وواضح أن له اجندات سياسية،والزيارات التتابعية من بعده للمصريين والتونسيين وكذلك وفد وزراء الخارجية العرب وامين عام  ما يسمى بجامعة الدول العربية والاتصالات العربية والاقليمية والدولية،وبالتحديد اللقاءات التي عقدت في مصر والتي ضمت قطر وتركيا ومصر ومسؤول المخابرات المركزية الأمريكية جاك مورن،وما تبعها من لقاءات هذا الحلف السياسي القطري المصري التركي مع الأخوة خالد مشعل ورمضان شلح،والتصريحات التي صدرت عن قادة مشيخات النفط بتحكيم العقل في المجابهة مع إسرائيل،وما صدر عن وزراء الخارجية العرب من بيان لا يتعدى اللازمة والأسطوانة المشروخة عن الشجب والاستنكار والإدانة،ومحاولة البعض منهم إشاعة مناخات الإحباط واليأس بين الجماهير العربية،من خلال الحديث عن عدم القدرة على محاربة اسرائيل او دعم غزة عسكرياً،وتصوير ما يحدث في قطاع غزة على انه كارثة انسانية،وليس شعب يقاوم ويناضل من اجل نيل حريته واستقلاله،وفي الوقت الذي استأسدت الجامعة العربية وصاحب هذه التصريحات على سوريا،عندما تلقت الضوء الأخضر الأمريكي،واجتمعوا على عجل وقرروا طرد السفراء السوريين وفرض عقوبات اقتصادية ومالية على سوريا واقتراح ارسال قوات عربية الى هناك،وكذلك الإصرار على دعوة مجلس الأمن للتدخل العسكري في سوريا تحت البند السابع،تجعلنا على قناعة بان طبخة سياسية يجري العمل عليها،طبخة ربما تكون واحدة من أهم مخاطرها مقايضة رفع الحصار عن غزة بنزع سلاح المقاومة الفلسطينية،او أن يكون تحت المسؤولية المصرية،فنفس الهدف كان أثناء الحرب العدوانية الإسرائيلية على المقاومة اللبنانية وحزب الله في تموز/2006 ،حيث  أن التحالف المعادي الصهيوني- الأمريكي – الأوروبي الغربي ومعهم معسكر الاعتدال العربي أنذاك أصروا على أن وقف العدوان يتطلب نزع سلاح حزب الله،الأمر الذي رفضه الحزب بقوة،وعلى المقاومة الفلسطينية بكل ألوان طيفها السياسي،أن تعي وتدرك وترفض،أن يكون ثمن العدوان على القطاع هدنة طويلة مقابل تحقيق مكسب هنا او هناك،فأي حل سياسي لا يضمن الرفع الكامل للحصار على قطاع غزة وفتح المعابر بشكل دائم،وعدم نزع سلاح المقاومة،وإلزام إسرائيل بتطبيق قرارات الشرعية الدولية لجهة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة،وغير ذلك فإننا سنعود مرة أخرى الى دهاليز اوسلو على نحو أسوء وبما ينذر بتصفية القضية الوطنية والمشروع الوطني،فلا هدنة بدون بثمن وبدون أن يرفع الحصار وتفتح المعابر ويطلق سراح الأسرى ويتحقق برنامج الحد الأدنى في الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف،وحق العودة لشعبنا الى ديارهم التي شردوا منها.
نعم المقاومة تصمد وتتوحد في القطاع،وتحقق إنجازات وانتصارات،ومفاعيل هذا الصمود والإنتصار ستنعكس على مجمل الصراع العربي- الإسرائيلي،وهناك من يريدون أن يفرغوا هذا الإنتصار من مضمونه،وينشطون من أجل وتحت ذريعة وقف العدوان على غزة،وحصر المسألة في الجوانب الإنسانية،وليس الحقوق السياسية،وهم لا يردون لهذه المقاومة أن تستمر وتتطور وتتصاعد،فلديهم مهامهم واجنداتهم في الساحات الأخرى،والتي يخشون بأن استمرار العدوان على شعبنا في قطاع غزة،قد يؤثر على سير مخططاتهم وسيناريوهاتهم،وخصوصاً أن أسهم النظام السوري وإيران وحزب الله ترتفع في الساحتين العربية والدولية،حيث أن معظم الأسلحة التي يقاتل فيها مقاتلو قوانا وأحزابنا وتنظيماتنا ويدكون فيها مدن ومغتصبات العدو،هي قادمة  من ومنتجة هناك،وهذه ما لا يرده من يسمون أنفسهم قادة ما يسمى بالربيع العربي،فلذلك يهرعون الى غزة من أجل أن لا تستمر المقاومة،فاستمرارها تهديد لعروشهم ومخططاتهم السياسية.

CONVERSATION

0 comments: