ليس كل بدعة ضلالة..!/ صالح خريسات

    صادفت الأسبوع الماضي، خطيب مسجد، يراجع في مستشفى الجامعة الأردنية، وقد بدا في حالة عصبية بالغة، أثارت فضول الحاضرين ودهشتهم، فسألته عن حاله، وسر توتره، فاخبرني بأنهم منعوه من خطبة يوم الجمعة، وهو لا يستطيع أن يصبر على هذا الظلم. فقلت له بهدوء: اهتم بصحتك أنت، ولا عليك من أمر المسلمين! قل لي ماذا تريد أن تقول لهم، وأنا أبلغهم إياه على صفحة الجريدة، كل يوم جمعة. ولكنه انتفض، وراح يشتم الحكومة والزمن الرديء.  فما الذي كان  يريد أن يقوله هذا الرجل للناس؟ وما الذي يمكن أن يضيفه إلى معارفنا ؟
 إن المسلمين في كل أقطار الأرض، يسعون  إلى المسجد ظهيرة كل يوم جمعة، ليكرروا، ما قاله السابقون منذ أربعة عشر قرنا، فيعلنوا حربهم على العالم المتمدن، ورفضهم لكل أشكال التطور والتقدم، ويقرروا سلفا، في اللحظة التي يصعد فيها خطيب المسجد درجات المنبر، ليقول للمسلمين  .. " ألا إن كل بدعة ضلالة، وإن كل ضلالة في النار"..فهل يفهم هذا الرجل ما يقول ؟ وهل يعرف مغزى  هذا التقرير الديني الخطير ؟ لماذا لا يكون الخروج على الحاكم بدعة، لأن أحدا لم يخرج على حكم النبي؟ لماذا لا تكون المذاهب الإسلامية المتنافرة بدعة؟ لماذا لا يكون التعصب بدعة؟ والتشدد بدعة؟ وقتل النفس بدعة؟ والانتحار بدعة؟ والعدائيات الدينية بدعة؟ لماذا لا يكون التحزب الديني والسعي إلى السلطة بدعة؟ لماذا لا تكون المظاهرات وأعمال الشغب والتخريب بدعة؟
لكن إخواننا سامحهم الله، قصروا مفهومهم للبدعة على مظاهر الحياة الاجتماعية، وأعلنوا الحرب على الناس باسم الدين ونصرة الدين . فالنساء، والتزين، والطهارة، والرغبة في الشرح والخطابات، شغل هؤلاء الخطباء وديدنهم. وليس هناك من جديد. وليس هناك ما يفيد. وهم يريدون الحياة كما يتخيلونها في عهد النبي، البيوت من الطين، والإضاءة من الزيت والقنديل، والأرض مفروشة من الحصير، ويريدون أن يجتمعوا في المساجد، يجلسوا متربعين على البساط، بملابس فضفاضة، وأسلحتهم إلى جوارهم ..
ولكن، دعونا نتخيل حياتنا وقد حذفنا منها كل ما نسميه بدعة، في المأكل، والملبس، والمشرب، وكل شؤون الحياة!..  إننا نكتشف حقا أن حياتنا  مستحيلة من دونها. فالمسلمون يأكلون بأصابعهم لأنهم أقرب إلى البداوة. وهو أمر يخالف كل أسباب الصحة والنظافة. وهم يلبسون الملابس الفضفاضة، لأنهم يحبون الراحة والاسترخاء. وهم يطلقون اللحى، لأنهم يشعرون بالخشونة ولا يعرفون الزينة. ثم إن اللحى تجمع غبار الشارع، وبقايا الطعام المتساقط من الفم، وتحتفظ به ..وهذه كلها وغيرها كثير، ليست بدعا.   
فليس كل بدعة ضلالة، وليس كل ضلالة بدعة. فلماذا يجتمع المسلمون كل يوم جمعة، ليعلنوا موقفهم الرافض من بدع المكتشفات والمخترعات، وهم أحوج الناس إليها؟ لماذا يسبوا أهلها، ويرسلونهم إلى جنهم، ثم يتوددون إليهم، أن أفيضوا علينا من نعم الله، لعنة الله عليكم ؟
إن كل أمة من أمم الأرض، تبحث عن وسائل بديلة للتعاون مع دول العالم، ومذاهبه, وطرق الالتقاء والتقارب مع أفراده. ويسعى العالم إلى نبذ كل أشكال العنف والتنافر والعدائيات الدينية. فلا غزو ولا غزوات، ولا سباب ولا لعنات، وإنما هي المصالح والمكاسب وتبادل المنفعة. وهذا ما لا يفهمه الخطباء!

CONVERSATION

0 comments: