الفيتو الأمريكي القادم ضد فلسطين سيكون فيتو لحماية الأكاذيب
(1)
زعيمان لدولتان هامتان لإسرائيل كشفا موقفهما الهام من سياسة بيبي نتنياهو: لا يثقون به ويصفونه بالكذاب وشخص لا يطاق. الأول هو الرئيس الفرنسي ساركوزي ، والثاني هو الرئيس الأمريكي ، الدولة الحاضنة لإسرائيل بعيون مغلقة، باراك اوباما، الذي اشتكى من نصيبه بأنه مضطر للحديث اليومي مع نتنياهو.أي مضطر للتعود على سماع أكاذيبه و"قبولها". تخيلوا عناقا بين اوباما ونتنياهو مليء بالابتسامات أمام كاميرات المصورين والتلفزيونات. اوباما يرحب بضيفه ويعانقه أمام الكاميرات وابتسامته ممتدة من الأذن للأذن، وهو يقول لنفسه "سأضيع وقتي الثمين مع هذا الكذاب الذي لا يطاق، أحتاج إلى أعصاب قوية، ليكن الله في عوني!!" نفس المنظر يجري أمام قصر الإليزيه في باريس بين نتنياهو وساركوزي.
المستشارة الألمانية ماركل لها جولات من تأنيب نتنياهو وتعنيفه لعدم التزامه بما تعهد به أمامها، ولو شاركت ساركوزي واوباما في حديثهما الشخصي لأضافت هي الأخرى حصتها إلى تقييمهما لنتنياهو، الذي تسرب لوسائل الإعلام بسبب خطأ فني مبارك، نتمنى أن يتكرر لنعرف حقائق ما يدور في الغرف المغلقة لقادة العالم. وما أحلى الأخطاء الفنية حين تصبح أهم من الأخبار ومن التصريحات الرسمية. ويبدو أن رئيس حكومة بريطانيا لن يقع تقييمه بعيدا عن زميليه. وملك الأردن عبدالله الثاني طرح رؤيته المتشائمة من نتنياهو وتقلباته. والرئيس الفلسطيني أبو مازن خبر أكثر من الجميع، "شطارة" نتنياهو.
يمكن أن نقول، بدون سخرية، بأن تقييم نتنياهو عند ساركوزي واوباما كان تقييما مطمئنا لليمين الإيماني الغيبي المتطرف في إسرائيل، سيرفع أسهم نتنياهو بينهم. عقلهم لا يمد أكثر من هذه الحدود.
في إسرائيل لم يفاجأ أحد، لا العرب ولا اليهود من كلام ساركوزي واوباما. يعرفون بضاعتهم. يمكن إضافة أن اكتشاف ساركوزي واوباما المتأخر لم يضف أي شيء جديد لا يعرفه الشعب الفلسطيني بالتطبيق، وهو ما دفعهم إلى إستراتيجية سياسية جديدة لا تعتمد على لعبة المفاوضات، المملة والمغلقة سلفا مع نتنياهو ، إنما على الشرعية الدولية.
(2)
ورب صدفة خير من ألف ميعاد.
في هذا الوقت بالذات، قدمت حكومة نتنياهو للمحكمة العليا طلبا بتأجيل، لستة أشهر أخرى، قرار للمحكمة العليا بهدم المستوطنات غير المشروعة، التي بنيت على أراضي بملكية خاصة للفلسطينيين، ( حسب القانون الدولي كل المستوطنات والاستيطان غير مشروع ويصنف ضمن جرائم الحرب) وهو قرار كانت قد تعهدت الحكومة بتنفيذه في نهاية هذا الشهر. والهدف من التأجيل، حصول نتنياهو على وقت إضافي، لإنقاذ حكومته من التفكك الذي يهددها به غلاة المتطرفين بدءا وزير الخارجية ليبرمان. وليس ذلك فقط ، بل يريد نتنياهو من أعضاء الكنيست من كتلة حزبه الليكود ، إنقاذه من نفسه ، أي بمنعه "قانونيا" من تنفيذ قرار المحكمة العليا. إذ قال في اجتماع كتلة الكنيست لأعضاء الليكود: " لماذا أنا مضطر لهدم هذه المنازل؟ أريد حلولا من رجال القانون، ماذا تقترحون لعدم تنفيذ الهدم؟" وزراء الليكود من جدعون ساعر وزير التعليم إلى يوفل شطاينتس وزير المالية، تحدثوا باندفاع "ضد هدم منازل مواطنين "لم يرتكبوا ذنبا"، وان هدم المنازل في المستوطنات التي أقيمت وبنيت منازلها بشكل غير مشروع "لا حل قانوني له"، و"لا يخدم قضية السلام". حتى الكاتب اليهودي التشيكي كافكا ما كان يستطيع صياغة نص كافكائي بهذا المستوى المبدع.
بمعنى آخر، نتنياهو لا يكذب على اوباما وساركوزي وزعماء العالم والفلسطينيين، بإعلانه قبول مبدأ "دولتين لشعبين"، بل يمارس نهجه نفسه مع المحكمة العليا.لا يفي بما يعد، وهناك محاولات للالتفاف على قرار المحكمة العليا.
نحن شبه متأكدين أن المستوطنات غير المشروعة، والمقامة على أراضي بملكية مواطنين فلسطينيين لن تهدم، ويجري التخطيط لسرقة الأرض بطرق "قانونية" وترخيص الأبنية التي لم تحصل على تراخيص بناء من سلطات الاحتلال.
طريقة التملص ليست هي المهمة.
المضحك هو استغاثة إسرائيل لدول العالم ضد إيران. إسرائيل تكتشف حاجتها لدول العالم.
إسرائيل التي وصف زعيمان كبيران، رئيس حكومتها بالكذاب والشخص الذي لا يطاق، تريد الآن من دول العالم أن تهب لدعم مشروعها بضرب إيران؟
هل سيدعم اوباما رئيس حكومة كذاب؟
هل ستدعم اوروبا رئيس حكومة كذاب؟
هل سيدعم العالم رئيس حكومة كذاب؟
(3)
مرت في هذه الفترة ذكرى اغتيال رئيس حكومة إسرائيل الأسبق يتسحاق رابين. كسب رابين احترام العالم. وفي فترة حكمه تمتعت إسرائيل بانفتاح سياسي واسع واحترام غير عادي في المحافل الدولية، خاصة بعد الاتفاق التاريخي مع منظمة التحرير الفلسطينية لبدء حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي بطريق المفاوضات. سكرتير مكتبه الصحفي ايتان هابر يكشف أن رابين كان يملك رؤية أكثر اتساعا للوصول إلى حلول مع العالم العربي والإسلامي ، من رؤيته أن القوة العسكرية محدودة ومعرضة للإرهاق. وان وصول العالمين العربي والإسلامي للقنبلة الذرية مسألة وقت. في فترته اختلفت السياسية الاقتصادية ، وحظيت إسرائيل بنمو اقتصادي غير عادي وصل إلى ما يقارب 8% سنويا. وحقق المجتمع الإسرائيلي قفزة في الرفاهية الاجتماعية. حتى الوسط العربي المهمل نسبيا من حكومات إسرائيل، حصل على ميزانيات إضافية ورفاهية غير مسبوقة. لأول مرة يجري التعامل مع الأقلية العربية بايجابية نسبية واحترام حقوقهم كمواطنين.. وليس سرا أن أعضاء الكنيست العرب دعموا حكومة رابين ووفروا لها شبكة حماية برلمانية هامة جدا.
أصبحت إسرائيل في فترة رابين تحظى بتقدير واحترام دوليين لا سابق لهما في كل تاريخها. حتى في العالم العربي افتتحت سبع قنصليات وبعثات دبلوماسية، ووقع اتفاق سلام مع الأردن. حتى أوقف إرهابي يهودي هذه العملية بإطلاقه الرصاص على رابين بعد المهرجان السياسي الضخم لتأيد نهج السلام لحكومة رابين.
اليوم إسرائيل معزولة وتواجه أزمة علاقات وثقة من معظم دول العالم، ويوصف رئيس حكومتها بالكذاب. ما تسرب من كلمات ساركوزي واوباما يشكل نقطة في بحر من عدم الثقة والنبذ لدولة إسرائيل بشخص رئيس حكومتها. حكومة لا تلتزم بما تقول ولا تنفذ ما تتعهد به. حكومة تعمل للتحايل على قرارات محكمتها العليا. هل يتحمل رئيس هذه الحكومة المسئولية ويستقيل، إنقاذا للعلاقات مع دول العلم؟.
كلمات وزير الدفاع ايهود براك ما تزال تدوي بأن إسرائيل ستواجه تسانومي سياسي.
يبدو أن التسانومي في بدايته فقط .
(4)
الخطر النووي الإيراني هو نتيجة استمرار سياسة الاحتلال والعنف والتنكر للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ومواصلة سياسة الحرب والعدوان على الدول العربية التي تمارسها حكومة نتنياهو. ورفض اسرائيل مشاريع السلام التي طرحت، وعلى رأسها مشروع السلام العربي الذي يعطيها مطالبها الأساسية عمليا.
ضمن رؤية إيران، بصفتها دولة هامة في الشرق الأوسط ، أن احتكار السلاح النووي من دولة واحدة يشكل خطرا استراتيجيا على مصالحها وأمنها. أنا أيضا أميل للاعتقاد أن المشروع النووي الإيراني له جانب عسكري كبير، ويشكل تهديدا ليس على إسرائيل فقط، إنما على مستقبل العالم العربي.
المستهجن استمرار التلويح الأمريكي باستعمال حق النقض في مجلس الأمن الدولي ضد قبول دولة فلسطين عضوه في الأمم المتحدة والغضب الأمريكي من قبول فلسطين عضوه كاملة في اليونسكو بصفتها دولة، الذي ترجم بوقف تقديم الولايات المتحدة الدعم المالي لليونسكو. أمريكا استعلمت الفيتو 41 مرة في مجلس الأمن لمصلحة إسرائيل واحتلالها وعنفها وقمعها وتجاوزها للقانون الدولي والأخلاقي والإنساني.موقف نتنياهو لم يعد سرا.أكاذيبه يتندر بها زعماء العالم وعلى رأـسهم الرئيس الأمريكي. واضح أن الكذب الذي تحدث عنه ساركوزي واوباما يتعلق بالموضوع الفلسطيني. فهل من مبرر أخلاقي لأمريكا بعد أن كشفت حقيقة سياسة نتنياهو؟
هل يمكن اعتبار الفيتو الأمريكي القادم ضد دولة فلسطين فيتو لحماية أكاذيب رئيس حكومتها؟
من سيصدق أن إيران خطر على إسرائيل وليست إسرائيل هي الخطر الفعلي على منطقة الشرق الأوسط ، وعلى أوروبا وربما على دول أكثر بعدا؟
من سيصدق أن النووي الإيراني يشكل خطرا على إسرائيل التي تملك حسب ما تقوله مصادر دولية مئات القذائف النووية؟
لماذا يصدر تقرير دولي حول النووي الإيراني ولا يصدر تقرير دولي حول النووي الإسرائيلي؟
كيف يمكن استيعاب أن إسرائيل إحدى الدول الأربعة الوحيدة التي لم توقع على منع نشر السلاح النووي؟
كيف نفهم استنجاد إسرائيل بدول العالم ضد إيران وهي لا تستجيب لمطالب أقل أهمية من دول العالم بوقف الاستيطان وإنهاء الاحتلال ، وتنفيذ ما التزم به نتنياهو من دولتين لشعبين؟
لست مع تسلح إيران أو غيرها بالسلاح النووي. بل من أجل تجريد الشرق الأوسط من السلاح النووي .
هل توافق إسرائيل على تجريد الشرق الأوسط من السلاح النووي؟
لا ننتظر جواب من المعروف نوعه سلفا.
ربما الحل بأن تعمل الدول العربية، كمجموعة أو بشكل منفرد، بالحصول أيضا على سلاحها النووي لبناء رادع الخوف المتبادل مع إسرائيل..بعدها كل الأطروحات واردة، وعلى رأسها تجريد الشرق الأوسط من السلاح النووي.
أو كارثة نووية للجميع!!
nabiloudeh@gmail.com
0 comments:
إرسال تعليق