زيارة الملك عبدالله الثاني لرام الله دلالات ومعاني/ راسم عبيدات

..... لاشك بأن زيارة الملك عبدالله الثاني الى رام الله لها ارتباط بجملة من الظروف والمتغيرات العربية والإقليمية،فهي تأتي قبيل انعقاد قمة عباس- مشعل لاستكمال ملف المصالحة الفلسطينية الذي تم التوقيع عليه في القاهرة في 4 من أيار الماضي،ويبدو أن هناك متغيرات جديدة تدفع باتجاه تحقيق المصالحة الفلسطينية،ليس طبعا في مقدمتها النضج والإرادة والاستعدادية عند الطرفين بقدر ما له علاقة بالتغيرات المحيطة حيث أن صفقة الأخوان المسلمين وبالتحديد في مصر مع الأمريكان الاعتراف بشرعيتهم ودورهم مقابل أن يتم توظيفهم سياسياً في تأجيج الخلاف الديني سني- شيعي سعياً الى ضرب إيران ومحاصرة نفوذها ودورها الإقليمي المتصاعد تقف في مقدمة هذه الأسباب والظروف الدافعة باتجاه المصالحة الفلسطينية.

يضاف لذلك التهديدات المتصاعدة للسلطة الفلسطينية من قبل اليمين الأمريكي وإسرائيل على ضوء توجهها الى هيئة الأمم المتحدة للحصول على اعتراف من مجلس الأمن الدولي بالعضوية الكاملة للدولة الفلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 ورغم الإخفاق الفلسطيني في الجولة الأولى للحصول على العضوية،إلا انه ازدادت وتيرة التهديدات الإسرائيلية والأمريكية للسلطة على خلفية ذلك،وفي ظل الانسداد التفاوضي وحصول فلسطين على عضوية كاملة في منظمة الثقافة والتربية والعلوم"اليونسكو" وتوجه عباس إلى خيار المصالحة مع حماس فقد أعلنت إسرائيل عن تجميد المستحقات والعوائد الجمركية العائدة للسلطة الفلسطينية،بل ذهب اليمين الإسرائيلي الى ما هو ابعد من ذلك كرد على توجه السلطة الفلسطينية لهيئة الأمم، ليس فقط بتكثيف ورفع وتائر الاستيطان في الضفة الغربية والقدس وبناء وإقامة عشرات الوحدات الاستيطانية،بل أن وزير الإسكان الإسرائيلي يخطط لبناء مليون وحدة استيطانية في مدينة القدس،وكذلك فقد أقدمت حكومة الاحتلال على ضم مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية في منطقة الأغوار الى سيادتها.

إن زيارة الملك عبدالله الى رام الله في هذا الزمن والوقت له ارتباطات أخرى وبالتحديد التهديدات الإسرائيلية والتصريحات التي يطلقها زعماء إسرائيل من قادة "إسرائيل بيتنا" والليكود و"الحزب القومي الديني" وغيرها من الأحزاب الإسرائيلية المتطرفة عن الوطن البديل وما يحدث من تطورات في سوريا هي التي دفعت بالملك عبد الله لزيارة السلطة الفلسطينية،زيارة هدفت إلى تطمين عباس وسلطة رام الله انه بعد صفقة الإخوان المسلمين وأمريكا واعترافها بشرعيتهم ودورهم،وبالتالي اصبحت طريقهم الى عمان سالكه،بأن هذا الانفتاح على حماس،لن يصل الى حد الاعتراف بحماس كبديل للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية،وربما تتجه الحكومة الأردنية رهناً بالتطورات إلى إقامة علاقة متوازنه بين السلطة وحماس،وأنا لا أتفق من أن الزيارة ولا أتوقع ان تكون بهدف دفع المصالحة الفلسطينية الى الأمام،بل المرجح أن الملك عبدالله نقل الى القيادة الفلسطينية مقترحات أوروبية حول العملية التفاوضية،فالسلطة والأردن كلاهما من دعاة استمرار العملية التفاوضية،والأردن في ظل التطورات العربية والتهديدات الإسرائيلية يخشى من أن اندفاع السلطة الفلسطينية الى المصالحة مع حماس قد يدفع بإسرائيل ليس فقط إلى وقف العائدات الضريبية والجمركية ،بل إلى القضاء على السلطة والتفاوض مع حماس بدلا عنها.

وهنا تؤكد العديد من المصادر الى أن الملك عبدالله حمل إلى الرئيس عباس مبادرة أوروبية تدعو الى استئناف المفاوضات على أساس بيان الرباعية الذي صدر في أيلول الماضي،بدون الإصرار الفلسطيني على وقف الاستيطان،وذلك مقابل تعهد الإتحاد الأوروبي بما فيه فرنسا وبريطانيا بدعم العضوية لدولة فلسطين على الأراضي المحتلة عام 1967 في أيلول القادم إذا ما فشلت المفاوضات مع إسرائيل على مدار عام،وتشير المبادرة الأوروبية الى أن قضية الاستيطان ستحسم من خلال المفاوضات حول ملفي الحدود والأمن والتي سيتم الشروع بها حال استئناف المفاوضات التي ستجري تحت رعاية اللجنة الرباعية وإشرافها ومشاركتها في بعض الأحيان.

والأردن كما هو واضح من زيارة الملك عبد الله الثاني المفاجئة ارام الله يدعم هذا الخيار ويؤيدوه،وقد عبر عن ذلك وزير الخارجية الأردني ناصر جوده في المؤتمر الصحفي الذي عقده في رام الله،حيث قال بأن "الأردن يدعم استئناف المفاوضات المباشرة لأن الهدف على حد تعبيره إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

والسلطة الفلسطينية حتى اللحظة الراهنة ما زالت المفاوضات خيارها،وهي تشترط العودة الى المفاوضات بوقف إسرائيل للاستيطان واعترافها بقرارات الشرعية الدولية.

إن هذا المبادرة الأوروبية لا تحمل أي جديد من قبل أوروبا الغربية،بل أن الموافقة عليها ستشكل غطاء قانوني لإسرائيل للاستمرار في مشاريعها الاستيطانية في القدس والضفة الغربية،وأوروبا الغربية خبرنا مواقفها جيداً فهي لم ترفع العصا في وجه إسرائيل مرة واحدة،بل تكتفي بعبارات الشجب والاستنكار والنقد الخجول لما تقوم به إسرائيل من ممارسات وإجراءات متعارضة ومتناقضة مع القانون الدولي،وبالتالي فإن مبادرتها هذه تحمل بصمات أمريكية وإسرائيلية،بهدف الضغط على السلطة الفلسطينية وثنيها عن استكمال المصالحة الفلسطينية وإغلاق ملف الانقسام وخاصة أن الحوار لتحقيق المصالحة الفلسطينية،وكما تشير مصادر حماس وفتح الى أنه قطع شوطاً هاماً في مختلف الملفات المختلف عليها بين الطرفين وخاصة رئاسة الحكومة والانتخابات.
وبغض النظر عن الرسالة التي حملها الملك عبدالله الثاني الى الرئيس أبو مازن فإنه من الهام جداً القول،بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية ومعها المجتمع الإسرائيلي المتجه نحو المزيد من العنصرية والتطرف،لا تمتلك أية نضج أو قدرة لتطبيق ما يتم الاتفاق عليه،لا حالياً ولا في الأفق القريب،أو تقديم تنازلات تصل ولو الى الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني،فهذه الحكومة اليمينية المتطرفة جاءت على أساس تصعيد الاستيطان وتكثيفه،وبالتالي هي لست مستعدة أن تنتحر سياسياً وتسقط من أجل تقديم تنازلات للشعب الفلسطيني،بدون أن تمارس عليها ضغوط جدية وحقيقية،ليس فقط عربية ودولية،بل فلسطينياً المطلوب تصعيد الكفاح والمقاومة الشعبية،فهذا الاحتلال هو أرخص احتلال في التاريخ،وبدون شعوره بأنه سيخسر ويدفع الثمن لقاء بقاء الاحتلال واستمراره،فهو لن يقدم أية تنازلات جدية.

فالمتطرف ليبرمان يهدد بإسقاط الحكومة إذا ما أقدمت على إخلاء مستوطنات معزولة أو إذا حولت عوائد الضرائب للسلطة الفلسطينية.

ولذلك من الهام والضروري جداً أن تستمر السلطة في إكمال مشروع المصالحة من أجل تقوية العامل الذاتي الفلسطيني على الصمود والمقاومة،دون الالتفات إلى مبادرات ثبت عقمها وفشلها.

CONVERSATION

0 comments: