عزيزتي القارئة وعزيزي القاريء مصر تمر بأدق مرحلة في تاريخها الحديث والمعاصر ، لذا أجد نفسي أعود إلى الوراء وما نسميه بالماضي وإن كان ليس بالماضي البعيد بالنسبة لتاريخ الشعوب والدول .
ولدت من أب هاجر من قرية " كوم غريب " التابعة لمركز " طما " التابع لمديرية " محافظة " سوهاج ، إلى القاهرة وبالتحديد إلى حي شبرا أقرب الأحياء إلى محطة مصر التي هي مركز الإتصالات بين جنوب مصر وشمالها عن طريق شبكة السكة الحديدية " القطارات " ، وفي حي " البراد " أحد الأحياء الشعبية في شبرا .
نزل عند جدي والد أمي وجدتي والدة أمي" خالة أبي " ، الذي هاجر هو والعائلة من مدينة سوهاج نفسها إلى القاهرة وأستقر به الحال في حي " البراد " بشبرا .
تزوج أبي من أمي بعد أن أثبت جدارة في عين جدي أنه قادر على تكوين أسرة ورعايتها .
ولدت في حي " البراد " وكنت الثالث في الترتيب والثاني من الأحياء بعد وفاة شقيقي الأكبر " يعقوب " وهو طفل ، وجاءت " رسمية " من بعده ثم أنا . ترك أبي المنزل الذي أسكنه فيه جدي مع خالي وزوجته لمساعدتهم,
فى بداية الحياة خاصة أنه كان يمتلك عدة منازل في نفس الشارع . أقول ترك والدي حي " البراد " وإنتقل إلى المنزل رقم 18 بشارع السندوبي بدوران شبرا عندما كان عمري أربعون يوما فقط . وتعتبر نقلة كبيرة للفارق الكبير بين " البراد " وهذا الجزء من دوران شبرا الذي جمع ما بين الحي الشعبي والحي الأرستقراطي وإن كنت لا أميل إلى هذه التسمية لكن لوجود فيلا أحد القضاة على مساحة كبيرة من الأرض تطل على أربعة شوارع . وفيلا أخرى كبيرة كانت لأساتذة كلية " فيكتوريا " الإنجليزية والتي لم تكن بعيدة عن المنزل " كانت كلية فيكتوريا ، تمتد من شارع شبرا حتى نهاية شارع " اليازجي " الذي كانت نهايته عند " غيط " " أرض زراعية كبيرة " . أتذكر أيضا في الدور الرابع من منزل ليس ببعيد عنا وكان يقطنه ضابط برتبة عسكرية عالية وكنت أقف في البلكون لأشاهد منظرا يتكرر كل يوم وهو لحظة وصوله إلى سيارة " الجيب " العسكرية والسائق واقف يؤدي له التحية العسكرية وتكون المدام في البلكون تشخط وتزعق وتلقي بفردة الشبشب الذي ينزل بالقرب منه فينظر إليها مشوحا بيده ويركب السيارة . وكان هذا المشهد يتكرر كل يوم دون أن ينزل الشبشب على رأسه . وفي شارع المقسي شاهدت جميع رجال " ثورة 52 " بما فيهم اللواء محمد نجيب في صوان لتعزية أسرة ضابط كبير بالجيش . بل أن المحل الذي إستأجره أبي في العمارة رقم 131 شارع شبرا لتجارة " الأقمشة " في العمارة التي كانت تحمل إسم " فيلا أماليا " في ذلك الوقت يسكن أحد الضباط المسئولين الكبار في " كلية الحرس الملكي العسكرية " والذي رأني أجلس أمام المحل ذات يوم فدخل وسأل أبي عني في أي صف دراسي وأخبره بأنني في سنة أولى ثانوي فوعده بعد أن أنهي دراسة السنة الثانية ثانوي أن يلحقني بالكلية لأتخرج بعد ثلاث سنوات ضابطا برتبة ملازم في الحرس الملكي وكان ذلك الحديث في عام 1951 .
كانت علاقتنا إن كان في محل الإقامة أو محل تجارة أبي لا تشوبها شائبة مع الجيران سكانا أو تجارا . نلعب كأطفال ويعرف كل منا الأخر بالإسم لا بالدين . كبرنا وكبر معنا تماسكنا ومحبتنا وتبادل الزيارات العائلية لا فارق بين أن تكون الزيارة من مسلمين لمسيحيين أو العكس . بل أتذكر في العمارة رقم 20 كان الطابق الثاني تقطنه أسرة يهودية كان إبنهم شكري يلعب معنا . هاجرت أسرة فلسطينية إلى القاهرة وسكنت في منزل أمامنا كانت أرضه قد أستقطعت من أرض فيلا القاضي الذي أشرت إليها . إنضم إلينا إبنهم وقمنا جميعا بتقديم يد العون بمساعدة أهالينا إلى هذه الأسرة اللاجئة . بل أننا كشباب ساعدنا الأبن في دراسته وأمددناه بالكتب لدراسة سنة رابعة ثانوي " شهادة الثقافة " كما كانت تسمى ثم التوجيهية ثم الجامعة
لا تتعجبوا الأشخاص الذين أكلمكم عنهم الأن أراهم وأنا أتذكر ذلك الماضي لطيب ذكراه .
كنت أزور خالتي التي بقيت وأسرتها في حي " البراد " الشعبي . أهم محل أتذكره هناك محل " مهدي لبيع الفول المدمس والطعمية / الفلافل ، والسلطة الخضرا والبدنجان المقلي والمخلل " وكنت أعشق مأكولاته مفضلا لها عن أي طعام تكون خالتي أعدته حتى أصبحت في كثير من الأحيان أذهب وأشتري لنا للبيت منه .
شيء واحد لم أفهمه في ذلك الزمان وفي هذا الحي " البراد " . في كل من عيد الفطر أو الضحية كنت أشاهد عربات " الكارو " الكبيرة منها يجرها حصان والصغيرة حمار . يركب الأطفال والصبية والصبيان فوق تلك العربات لتطوف بهم حواري وشوارع الحي وهم يطبلون ويزغردون ويغنون أغاني البهجة بالعيد وأهم ما كان يلفت سمعي وإنتباهي تلك الجملة " العيد عيدنا والنصارى كلابنا واقفين على بابنا يمسحلنا الجازمة " تسمعهم فرحين مصفقين وهم يرفعون أصواتهم وهم يرددونها . ومع ذلك قد تجد أحد أولاد أو بنات النصارى بينهم يصفقون ويرددون دون ما وعي لما يقولون . وأهم شيء لم نسمع عن إحتكاكات بين النصارى والمسلمين . بل الجميع يعيش حياة المحبة والجار للجار . وفي رأي المتواضع أن الناس كانت قلوبهم عامرة بالحب والإيمان بعيدا عن الكُره والبغضاء . ولا ننسي التعليم إن كان في المدارس على جميع المستويات أو البيوت .
عند ذكر التعليم كانت الدولة المصرية قبل إنقلاب العسكر أكثر إهتماما بالطلبة والطالبات بالمدارس الأميرية الحكومية من ناحية المواد الدراسية ورعاية شئونهم والعمل على راحتهم . بل تزويدهم بوجبات غذائية كل مدرسة حسب حجمها وعدد طلابها . المدارس الإبتدائية صغيرة العدد كان يصرف للطلبة " ساندويتشات وفاكهة مختلفة ومتنوعة كل يوم . في يوم الأربعاء وهو يوم صيام عند الأقباط المسيحيين يدرج المدرس أسماء الطلبة أو الطالبات من المسيحيين في اليوم السابق لتعد للصائمين منهم ساندويتشات خاصة بهم ، وساندويتشات صيامية طوال الأسبوع في أوقات الصيامات . أما المدارس الثانوية الكبيرة والمجهزة بمطابخ كبيرة فكان الطلاب والطالبات يحصلون على وجبة غذائية متنوعة مطهية أربعة أيام في الأسبوع ، وفي يومي الإثنين والخميس يصرف لهم ساندويتشات وفاكهة . بالنسبة للمسيحيين الصائمين سواء في أيام الأربعاء أو الصيامات العامة تقدم المدارس للطلبة الصائمين وجبات صيامية متنوعة وتتماشي مع ما هو مسموح أو غير مسموح به من طعام مطهي ومن ساندويتشات .
من أهم صفات الحياة أنها لا تبقى على وتيرة واحدة وكل واحد وحظه كما يقولون . غيرنا محل السكن وتغير معها الجيران وأولاد الجيران ولم يتغير لا العلاقات الطيبة ولا الود والمحبة بيننا .
أنهيت دراستي الثانوية بحصولي على شهادة التوجيهية القسم العلمي عام 1955وإلتحقت بكلية الحقوق جامعة القاهرة نزولا على رغبة والدي الذي كان يريدني " بحزام " كما كان يحلو له ذلك القول . و في نفس الوقت نجحت في أول إمتحان لديوان الموظفين وكان ترتيبي الـ 11 من عدد المتقدمين الـ 2000 . العشرة الأوائل ألحقوا بوزارة الخارجية وحوالي ثلاثمائة ناجح بوزارة الداخلية كنت على رأس القائمة .
من قبل إنقلاب العسكر حتى الشهور القليلة التي سبقت الخامس من يونيو 1967 كانت مصر لكل المصريين مسلمين ومسيحيين وإن كنت قد واجهت بعضا من التعاملات المختلفة لكوني مسيحي إن كان على مستوى التعاملات العامة أو بعض المواجهات التي واجهتها في العمل ونقلي إلى قنا وإنقطاعي عن تكملة دراستي بمدرسة الخدمة الإجتماعية التي من أجلها تركت كلية الحقوق جامعة القاهرة .
نعود إلى قبل " النكسة " وما بدأ يظهر في الخطاب الديني في المساجد وفي المصليات الإسلامية من تهديدات صريحة من أنهم بعد القضاء على السبت سيقضون على الأحد . وعلى الرغم من " النكسة والهزيمة " عام 1967 ظل التهديد قائما حتى يومنا هذا الذي أكتب فيه هذا الكلام متخذا خطوات فاعلة من تهديد ووعيد إلى حقيقة واقعة مؤسفة بدأ بأحداث الزاوية الحمرا والشرابية في عهد الرئيس الراحل السادات مستمرة في عهد الرئيس المتخلي عن الحكم مبارك مضافا إليهم ما حدث في عهد " الرئيس " المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي سلمه الرئيس المتخلي عن الحكم والسلطة مبارك كل صلاحيات الرئاسة والحكم الذي أحاطت فترة توليه المسئولية منذ 11 فبراير 2011 حتى يوم الأحد الدامي في التاسع من أكتوبر من نفس العام وعار مذبحة ماسبيرو والإضطهادات والتعديات وقتل المسيحيين مع ترك الحبل عل الغارب للجماعات الإسلامية المتشددة تعيث في الأرض فسادا وإفسادا دون حسيب أو رقيب .
واجه الأقباط المسيحيون ما قبل " النكسة " عام 1967 وحتى ما قبل الإنتخابات البرلمانية والتي حدد لها يوم الثامن والعشرين من هذا الشهر نوفمبر هذا العام 2011 الكثير والكثير جدا من تميزات ضدهم في جميع مناحي الحياة على جميع المستويات الحكومية والخاصة والشارع المصري في طول البلاد وعرضها .
إستقوى السادات بالسعودية التي أمدته بالمال ليتمكن من غسل عار نكسة 1967 ومع المال المذهب الوهابي الذي قضى على البقية الباقية من الوجه السمح المحب لمصر والشعب المصري فتفتت مصر وتقسمت إلى شيع وجماعات وإنتشر الأرهاب الذي أصاب كل المصريين وبث الرعب في قلوبهم ومن الطبيعي أن تكون المرأة المصرية التي وصلت إلى مرحلة متقدمة جدا من الوعي والإستقلالية والتعليم ونولي المناصب العالية أن تعود إلى ما قبل الجاهلية . ومن الطبيعي جدا أن يكون أقباط مصر المسيحيين هم الهدف الأول والأساسي في الفكر الوهابي السلفي والإخوان معهم متضامنين للقضاء عليهم وتطهير البلاد منهم .
إنكمشت المرأة في السواد الذي قال عنه أحدهم أن المرأة المتشحة بالسواد مثل العربة المرسيدس السوداء لها قيمتها العالية عند الرجل .ومعروف المعنى من هذا التشبيه للمرأة المتشحة بالسواد .
كذلك إستعان السادات بلإسلاميين حتى قويت شوكتهم فغدروا به وإغتالوه .
تولى مبارك السلطة بحكم كونه نائبا لرئيس الجمهورية ، المنصب الذي مارس من خلال إشرافه على ملف الأمن القومي في مصرفعرف جيدا كيف يكون حكمه بالقبضة الحديدية على من يخشاهم ومن يعرف أسرارا أكثر فيطيح به .
لعبة الإخوان مع إنقلاب عسكر 52 جعلتهم أكثر حنكة وخبرة في معرفة السيطرة على الشارع المصري واللعب على وتيرة الدين الذي هو الملاذ الأخير للفقير والجاهل . وما أكثرهم في الدول الإسلامية العربية أو غير عربية !! .
بعد تحديات من جانب الإخوان ومبارك تم الإتفاق على ترك الحكم له لمبارك ، وترك وترك الشارع المصري للإخوان يتغلغلون في جميع مناحي حياته . يكفرون من شاؤا ويشجعون من أرادوا . فأصبح لهم اليد العليا على فئات الشعب المصري المطحونة والمغيبة عقولهم وبدأت الجماعات الدينية المتشددة والمتطرفة في العمل الإرهابي المنظم متخذين من أقباط مصر المسيحيين هدفا أساسيا في بث الرعب في قلوب كل المصريين . ومع الإرهاب الجسدي ، إرهاب أخر على شكل المظهر الخارجي للرجل والمرأة للتميز بين المسلمين وغيرهم إن كان من المسيحيين أو المسلمين غير الخاضعين لهم ، فتحجبت المرأة وتنقبت ، وإرتدى الرجل الزي الأفغاني وأطلق لحيته وأمسك سبحته لتكتمل الصورة .
التمييز العنصري ضد المسيحيين أصبح علنا دون ردع من الحكومة غير وضع بعضا من الجنود لحراسة الكنائس . ومع ذلك لم يمنع وجودهم عدم الهجوم على الكنائس وتفجيرها أو قتل المصلين سواء وهم داخل الكنائس أو في حالتي الذهاب أو الخروج منها . غيرعدم محاكمة المعتدين وما الحكم على الكموني بالأعدام لإغتياله لمسيحيين في نجع حمادى أثناء توجههم إلى الكنيسة والذي كان من بين القتلى مسلما وهو ما إستندت إليه المحكمة في الحكم عليه بالأعدام لأنه قتل مسلما . ولم يحدث أن حكم على أي متهم بقتل مسيحيين إن كان في حادثتي الكشح الأولى والثانية أو الزاوية الحمراء أو أي حادث قتل على المستوى الفردي أو الجماعي للمسيحيين . فهل يطمئن أي مسيحي مصري بالأمن والأمان والوضع الأمني مغيب ولا قانون عادل ؟؟!!.
المرأة الغير محجبة والرجل الغير ملتحي لا تقدم لهما الخدمات إن كان في المحلات التجارية أو المستشفيات أو المدارس أو حتى في المواصلات العامة والتاكسيات . هذه حقيقة أتمنى ألا يحاول أحد إنكارها . وهذا الأمر مازال معمول به حتى الأن ، بل إزداد . فهل يجد المسيحيون نفس المعاملة التي يتعامل بها المسلمون ؟؟ !! .
هل المرأة المسلمة تستطيع أن تتولى أي عمل رئاسي دون أن تتحجب أو تتنقب ؟؟!! . لم يقبل شيخين إسلاميين الجلوس مع الإعلامية هالة سرحان إن لم تتحجب والذي رفضته فتم حل المشكلة بجلوس الشيخيين في مكان أخر يفصل حاجز بين المكانين وتم اللقاء العجيب والذي لم يمنع الفصل من رؤية الإعلامية هالة سرحان من على شاشة البث أثناء توجهها إليهما بالأسئلة أو الحوار وهي عارية الرأس .
أرادت إحدى الجامعات المصرية إقامة حفل موسيقي وتمت الموافقة عليه من عميد الكلية . مع الأسف تجمع الطلاب السلفيين لمنع الحفل بالقوة ، ودخول أحد شيوخ السلفيين ليقود مسيرة الطلاب لمنع الحفل .
ما الذي ننتظره إذن لمستقبل العلم والمعرفة في مصر ؟؟!!.
تغطية وجه بعض التماثيل بالشمع وتكسير تمثال فرعوني موضوع في مدخل مدينة المنصورة ، وقيل أن السبب هو أنها أصنام يجب التخلص منها وأتسأل : هل هذا الفعل هو مقدمة لما يمكن أن يحدث لبقية الأثار المصرية القديمة إن كان في شكل الأهرامات أوأبو الهول أو الرسومات المنقوشة داخل المعابد والمعابد نفسها ، أو تماثيل لبعض مشاهير مصر الحديثة ؟؟!!.
رأي الإسلاميين في السياحة والتي يريدون لها أن تكون سياحة دينية .
هل يعني هذا الإستغناء تماما عن السياحة في مصر والإكتفاء بطلاب المتعة الرخيصة من أصحاب الدولارات البترولية ؟؟!!. وما رأيهم في المرأة التي تستحم في البحر مرتدية جلبابها ، هل تخيلتم منظر جسدها وهي خارجة من البحر ؟؟!!. وهل قدرتم حجم الخسائر المالية التي ستنجم عن هذا النوع من السياحة وعدد الأسر التي ستضرر ؟؟!!.
ومن أغرب ما قرأت حديثا التهديد بحرق مكتبة الأسكندرية من الإسلاميين عندما يتم إنتخابهم سوف يقررون تنفيذ هذا التهديد لأن ما تحتويه المكتبة يتنافي مع المباديء والأخلاق الإسلامية ، ويبنى مكانها بعد حرقها مسجدا للعبادة .
وما أشبه اليوم بالبارحة عندما أرسل عمروبن العاص إلى الخليفة عمربن الخطاب يسأله ماذا يفعل مع مكتبة الأسكندرية ؟ فكان رد الخليفة عليه إن لم يكن بها شيئا عن ديننا قم بحرقها . وكان من الطبيعي ليس بها شيء من دينهم فحرقوا كنوزها العلمية مستخديمن محتوياتها وقودا للحمامات في مدينة الأسكندرية لمدة إستمرت ما يقرب من الستة أشهر .
فهل تغير الفكر الإسلامي المتشدد والرافض للغير ؟؟ !!.
مصيبة المصائب ما حدث يوم الأحد التاسع من شهر أكتوبر الماضي في ماسبيرو من مذبحة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ضد المسيحيين الذين خرجوا في مسيرة سلمية للتعبير عن ما يعانون من إضطهادات وتمييز ضدهم . مذبحة قادها وقام بها من هم منوط بهم حماية الوطن والمواطنيين .. القوات المسلحة المصرية مع شديد شديد الأسف . وكأنهم بذلك الفعل يؤكدون للسلفيين وغيرهم من المتشددين الإسلاميين صراحة أن الأعتداء وقتل المسيحيين حق لهم فلا تخافوا . وتصبح مصر غابة لا يعيش على أرضها آدمين لديهم قلوب مملوءة بالإيمان والرحمة وحب الأنسان لأخيه الأنسان . والمخيب للأمال أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يوفقه الحظ في تبرير ما حدث ، أو تحديد المسئولية ويواجهها ببسالة وأخلاق رجل الحرب الشجاع . ومما يزيد حزننا وجود هذا العداء السافرللأقباط المسيحيين من سبهم أثناء مطاراداتهم ونعتهم بالكفر ، وترك المصابين منهم دون إهتمام وكأنهم بالفعل أعداء وليسوا شركاء في وطن إسمه مصر .
مع الأسف لقد ضاعت هيبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد تلك الحادثة التي تتشابه في الكثير من حوادث الأعتداء على الأقباط المسيحيين .
لأن من قاموا بها ليسوا بأشخاص عاديين . لكنهم من القوات المسلحة المفروض أنهم حماة الشعب والتي تميزت عن بقية القوات المسلحة العربية الأخرى التي إعتدت على الشعب لصالح الحكام ، بل على العكس القوات المسلحة المصرية كانت حامية لمطالب الشعب . لكن يبدو أن مجلسنا الموقر لا يعترف بأن مصر لكل المواطنين المصريين الذين يعيشون وينتمون إلى مصر ويمييز بينهم حسب الدين والعقيدة .
فلماذا أيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصري تتصرف هكذا مما يتسبب في ضياع هيبتك الواضحة من تحديات الجماعات الإسلامية لكل ما تقوله وتفعله ؟؟!!.
أسئلة كثيرة حائرة لا أعرف لها إجابة !!!.
وقبل أن أختم مقالي ، إسمحوا لي بنقل مقال للأعلامي الأستاذ يسري فودة ونشر في جريدة " المصري اليوم " عن موقف إنساني حدث أثناء مطاردة رجال القوات المسلحة للأقباط المسيحيين في تلك الليلة المشئومة .
**
يسرى فودة يفجر مفأجات جديدة عن احداث
" المصري اليوم "
يسري فوده يفجر مفاجئات جديدة عن أحداث ماسبيرو .. مسيحيين يختبئون فى دورات المياه بينهم رجل دين ... !!!!
«شيندلر» مصر
يسري فودة
قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية كان رجل أعمال من أصل ألمانى، اسمه «أوسكار شيندلر»، قد نجح فى إنقاذ أكثر من ألف يهودي بولندى مما نعرفه الآن باسم «المحرقة» من أصل نحو أربعة آلاف كدسهمالاحتلال النازى فى «كراكوف» تمهيداً لنقلهم إلى «آوشفتز» حيث عنابر الغاز. تحولت هذه القصة عام 93 إلى فيلم سينمائى رائع باسم «قائمة شيندلر»، أخرجه «ستيفن سبيلبيرج»، وكان من أبرز نجومه «ليام نيسون» و«بن كينجسلى».
بكل أسف، وبكل مرارة، وبكل عار، لا يستطيع الذهن مقاومة الربط بين بعض الجوانب من هذه القصة الإنسانية الحزينة المشينة وبعض الجوانب من قصة أخرى إنسانية حزينة مشينة وقعت على أرض مصر فى مثل هذا اليوم قبل خمسة أسابيع. بينما بلغت الفوضى مداها أثناء تظاهرة الأقباط أمام مبنى ماسبيرو وفى محيطه مساء 9 أكتوبر، يصل رجل أعمال مصرى مسلم بصعوبة بالغة إلى مبنى شركته المطل مباشرة على الأحداث. لم ير فى حياته - وهو الذى رأى الكثير فى مناطق الحروب - منظراً كهذا حين كافح كى يجد لقدميه موطئاً بين الجرحى والقتلى والأشلاء البشرية التى تملأ الآن مدخل المبنى وفى الممر الضيق المظلم المخيف المؤدى إلى درجات السلم.
لم يخطر بباله إن كانت الأشلاء لمسلم أو لمسيحى. لا يخطر هذا ببال إنسان فى قلبه ذرة من الإنسانية. لكنه حين صعد إلى شركته اصطدم بالرعب فى كل أرجائها، بين العاملين فيها وبين وجوه غريبة مذعورة تبحث يائسة عن ملجأ. نحو أربعين، من بينهم من يبدو من ملابسه بوضوح أنه رجل دين مسيحى.
كيف يتصرف؟.. يتصرف الرجل كأى رجل فى دمه ذرة من النبل والشهامة. يرسم له الآن موظفوه صورة مخيفة لاقتحام أفراد من الشرطة العسكرية مقر الشركة قبل قليل بالرشاشات فى هيئة مرعبة بحثاً عن شىء ما. «اسمك إيه ياض؟».. «محمد».. «عدّى إنت، فين الأقباط؟». وهؤلاء كانوا يتنقلون فى خفية من غرفة إلى أخرى ومن أى زاوية يمكن أن تكون مخبأ إلى أخرى.
دهاليز الشركة الكبيرة فى هذه البناية القديمة كانت من لطف الله. لكن رجل الأعمال يتخذ سريعاً قراراً بإخفاء المسيحيين جميعاً فى دورات المياه. وفى مشهد إنسانى يجلب الدموع يتقدم بعض العاملين المسلمين فى الشركة ببطاقاتهم الشخصية لإخوتهم المسيحيين: «لو اتمسكتوا قولوا إن إنتو إحنا».
قضى الرجل مع موظفيه ليلتهم الأولى تحت الحصار على ضوء الشموع يحرسون إخوتهم من المسيحيين المكدسين الآن فى دورات المياه. من وقت لآخر تفاجئهم الشرطة العسكرية للتفتيش، أحياناً بمفردها وأحياناً مصحوبة بمن يرتدون أزياء مدنية، وكأنه مشهد لفريق من «الجستابو» منتزع من أحد أفلام الحرب العالمية الثانية.
يمر الوقت بطيئاً ثقيلاً. يفتح رجل الأعمال الباب كى يطمئن عليهم أحياناً، ولإمدادهم بالطعام والشراب أحياناً أخرى. لا يمكن أن يستمر هذا الوضع طويلاً. بدأ الرجل يفكر معهم فى خطة لتسريبهم من الباب الخلفى، فرادى
ومثنى وثلاث، ومع كل منهم قصة مبتكرة يجيب بها إذا استوقفه أحد. اترك
لخيالك العنان فى سيناريو قبيح يجبر المصرى على اختلاق عذر للسير فىشوارعه، ويضطر المسيحى إلى التذرع بصلاة الفجر فى المسجد.
يستمر الحال على هذا المنوال لنحو ثمان وأربعين ساعة ينجح أثناءها الرجل فى تسريبهم جميعاً بأمان عدا واحداً: القس. أمام محاولات متكررة مستميتة من رجل الأعمال بقى القس متمسكاً بدينه وبكرامته: «مش هاغيّر هدومى
ولوعلى جثتى».
لا يملك الإنسان، من أى دين ومن أى جنس ومن أى وطن، أن يحمل لقس كهذا إلا كل احترام وكل تقدير، ولا أن يحمل لرجل أعمال كهذا إلا كل امتنان وكل افتخار. لكن هذا المشهد فى ذلك الأحد الدامى يمثل طفرة نوعية مزعجة فىتحالف السلطة المغرض مع الجهل القاتل على ما لا يمكن لعاقل أن يقبله.
قولوا لنا إن أفراداً من الشرطة العسكرية فقدوا أعصابهم وسط الفوضى فأخطأوا. قولوا لنا إنهم حين دهسوا إخوة لهم لم يكونوا يعتقدون أن هذا حلال. قولوا لنا إن ورثة «أمن الدولة» حين نظروا إلى خانة الديانة كانوا ضالين مضللين، فاسدين مفسدين. قولوا لنا إنكم ببساطة أخطأتم، فهذا أكرم لكم ولنا وللبلد كله. قولوا لنا علّنا نسامح.
حتى الأنبياء أنفسهم يخطئون، بل إن أحدهم قتل نفساً بغير وجه حق. الفارق أنه ندم على ما فعل. حتى هذه اللحظة لم يعترف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأن من أداروا أزمة الأحد الدامى - أمنياً وإعلامياً - ارتكبوا أى خطأ يستحق الندم. هذا - فى حد ذاته - خطأ أفدح وأكثر خطورة.
استقيموا يرحمكم الله
شكرا لك أستاذ يسري فوده رجل المباديء والإنسانية . شكرا لرجل الأعمال المسلم لإنسانيته وحبه لإخوة له لم تلدهم أمه ولم ينجبهم والده . شكرا لكم أيها العمال الشرفاء لتضامنكم مع أشقاءكم في الوطن وحرصكم على سلامتهم . لاشك أن مصر بلد التسامح والمحبة وسوف تعود إليها ما ذكرته في بداية المقال ما كانت عليه مصر قبل نكسة يونيو 67 من محبة لا غش فيها ولا كذب فهذا تاريخ جميل لابد أن نعمل جميعا على عودته ولو كره الكارهين .
0 comments:
إرسال تعليق