من المؤلم والمؤسف حقاً ،ان موت المبدعين والمثقفين في مجتمعنا العربي لا يثير الشجن والاسى في مساحات الثقافة ولدى الجمهور العريض الواسع . فالمثقفون والمبدعون لدينا ، نحن ابناء الشعب العربي ، يموتون كالايتام ، وجنازاتهم متواضعة جداً ، والمشاركة فيها ضئيلة لا تليق بمكانتهم الثقافية والاكاديمية والطليعية الريادية ، وتختلف تماماً عن جنازات الاثرياء واصحاب المراكز والنفوذ والمواقع القيادية.
فبالامس القريب مات الفنان والمخرج الفلسطيني فرانسوا ابو سالم منتحراً في رام اللـه ، ولم يسر في موكبه الجائزي سوى اعداد قليلة من المعارف والاصدقاء لا يتجاوزون المائة والخمسين شخصاً ، وفي اليوم نفسه شيع جثمان الشاعر الفلسطيني الكبير عاشق صفورية طه محمد علي ، وكانت جنازته متواضعة نسبياً لا تليق بحجمه ومكانته .
وعندما رحل الناقد الفلسطيني العظيم احسان عباس ، ابن قرية عين غزال المهجرة ، وصاحب الاعمال والابحاث والدراسات الادبية ذات القيمة العالمية ، افادتنا في حينه الانباء من عمان ، حيث دفن، ان عدد الذين ساروا في جنازته وشيعوه الى مثواه الاخير اقل من عدد الكتب التي وضعها والفها..!
وكان احسان عباس قد قال بالم شديد في كتابه المرجعي عن صاحب "انشودة المطر" الشاعر العراقي بدر شاكر السياب ان الذين شيعوا السياب لم يتجاوز عددهم الستة وكان هو سابعهم ..!. ولا اريد ان اواصل ذكر الاسماء ، فهنالك الكثير من الحقائق والامثلة عن ضعف حجم المشاركة الجماهيرية في جنازات الشعراء والمتثاقفين . ولا ريب ان هذا الامر هو شهادة ساطعة على البؤس الثقافي والفقر الحضاري والحالة الشيزوفرينية ، التي تعيشها مجتمعاتنا العربية دون استثناء.
ان المجتمعات الانسانية المتحضرة والمتمدنة ، التي تعي دور ومسؤولية الكلمة وتقدر رسالة الادب والثقافة ، تجل وتحترم مبدعيها ومثقفيها، وتمنحهم شهادات واوسمة التقدير وجوائز الابداع ، وتكرمهم في حياتهم ، وتحيي ذكراهم بعد موتهم ، وتعيد نشر كتبهم حفاظاً على تراثهم الادبي والابداعي ، وتطلق اسماءهم على الشوارع العامة والمدارس والمؤسسات التعليمية والتربوية ، وتخصص جوائز ادبية باسمائهم . ولكن في مجتماتنا العربية لا تقدير، لا للثقافة ولا للمثقفين اصحاب المواقف الحاملين قيم الابداع ، وانما التقدير هو لمن اكثر مالاً وثراءً وجاهاً ، ولاصحاب القصور والبنايات الفخمة والسيارات الفارهة ، آخر موديل. كذلك فان المبدع يموت وهو عليل وسقيم دون ان تلتفت اليه المؤسسة الثقافية والجهة المسؤولة ويظل دون علاج لفقر الحال وقصر اليد ، كما حصل في الآونة الاخيرة مع الشاعر العراقي سلام الناصر ، هذا المثقف الديمقراطي الملتزم ، الذي كان يعاني من امراض القلب ، وكان بالامكان انقاذ حياته ، ولكن عدم اهتمام الجهات والدوائر المسؤولة في العراق ادى الى وفاته ، فقضى مكلوماً معذباً كسير الخاطر والفؤاد . وايضاً قبله الشاعر رحيم الغالبي ، احد اعلام الادب والثقافة في العراق ، الذي مشى على جسر الجمر والرماد ، وظل طوال حياته وفياً لقضيته الوطنية والانسانية، ومدافعاً عن حقوق الفقراء والمظلومين والمسحوقين ، وخدم بفكره وروحه وكلمته وشعره ونضاله بلده العراق ، ارضاً وشعباً ووطناً ، وقد عانى من حروق نتيجة حريق مات بسببها ، فلم تلتفت اليه المؤسسة في العراق ولم تفعل شيئاً لمساعدته وانقاذ حياته، وسواهما من عشاق القلم والكلمة .
والسؤال الذي يقض المضاجع : الى متى سيظل المبدع والمتثاقف في مجتمعنا دون اهتمام وتقدير والتفاته ؟!هل يتغير هذا الحال ، ام ان لا كرامة لنبي في وطنه..؟!.
0 comments:
إرسال تعليق