لم يعد هناك في دمشق فرق بين شبيح أصيل وشبيح مستنسخ/ محمد فاروق الإمام

على ضوء بيان وزير داخلية النظام السوري الأخير فإنني لم أعد أجد أي فرق بين شبيح أصيل وشبيح مستنسخ، فكل من يحكم دمشق اليوم هم شبيحة بامتياز من رأس هرم السلطة الذي توعد العالم بزلزال مدمر، مروراً بوزير خارجية النظام الذي توعد الغرب ومسح خارطته من كوكبنا، وأبواق السلطة الذين يقلبون الحقائق ويزيفون الوقائع، وصولاً إلى عامل التنظيفات الذي جُنّد ليكون شبيّح نذل وجبان يطعن ظهر أخيه عند بوابة المسجد داخلاً ليؤدي فريضة الصلاة، أو عائداً إلى بيته يحمل رغيف خبز ليسد جوعة أطفاله، أو منهمكاً في أداء عمله ليكسب أجره بعرق جبينه، لأنه أجبن من أن يواجه الثائر السوري الذي يخرج متظاهراً يواجه الدبابة بصدره العاري يطالب بحريته بأعلى صوته وقد حمل روحه على كفه فالموت عنده أهون من المذلة.
ظن العرب – عن حسن نية عند البعض وخبث عند آخرين – أن مبادرتهم التي قدموها إلى النظام السوري ورفضها بكل صلف وغرور منذ إعلانها على لسان مندوب النظام في الجامعة العربية، ثم ما لبث هذا النظام أن قبلها – مراوغة لكسب الوقت وإرضاء لأصدقائه في موسكو وبكين – في الساعات الأخيرة من المهلة التي حددتها الجامعة بلا تحفظ، وكلمة بلا تحفظ تثير قلق السوريين الذين خبروا هذا النظام الذي يجيد فن المراوغة ويعرف كيف يلعب بحبال الكذب ويطوعها حيث يريد وكيف يريد، وبالفعل كانت الوقائع على الأرض تشير بلا مجال للشك، بأن هذا النظام تتمثل بفعاله العقارب والأفاعي والثعالب والضباع والذئاب والحرباء، بل ويتفوق عليها جميعاً بمكره وخبثه ووقاحته وسفاهته وغدره ولؤمه وحقده، ففي اليوم الأول للمبادرة سقط أكثر من أربعين شهيداً، وفي اليوم الثاني زاد العدد على مئة شهيد، واستبيحت مدن حمص وريفها وحماة وريفها ودرعا وريفها وإدلب وريفها وجبل الزاوية واللاذقية وبانياس وريف دمشق وقصفت أحياؤها بالمدفعية والدبابات، وقطع عنها الماء والغذاء والكهرباء والاتصالات.
أقول ظن العرب – واهمون - أن هذا النظام قد يصدق في هذه المرة ويتلقف هذه الفرصة الأخيرة علّه ينجو من مصير محتوم رسمته له الجماهير الثائرة المنتفضة والمتظاهرة في طول البلاد وعرضها (إسقاط النظام وإعدام الرئيس)، ولكن يأبى عليه غباؤه وسفاهته وصلفه وغروره وما بين يديه من آلة القمع الجهنمية، إلا أن يسلك نفس الطريق الذي لم يعرف غيره على مدار نصف قرن حكم فيها سورية بالحديد والنار والبغي والفساد والاستكبار، وغاب عن ذهنه وهو والغ في حمأة بغيه أن الشعب السوري شب على طوقه وكسر قيده وهدم جدار خوفه.
الشبيح الأصيل وزير داخلية النظام المنتهي الصلاحية يعلن من على شاشة إعلامه الخشبي الذي يتجاهل كل ما جرى ويجري على الساحة السورية منذ ثمانية أشهر، يعلن بكل وقاحة وصفاقة أنه يمهل "المواطنين ممن حملوا السلاح أو باعوه أو قاموا بتوزيعه أو نقله أو شرائه أو تمويل شرائه ولم يرتكبوا جرائم القتل إلى تسليم أنفسهم وأسلحتهم إلى أقرب مركز شرطة في منطقتهم". وأنه "سيصار إلى تركهم فوراً وذلك خلال الفترة الممتدة من يوم غد السبت وحتى السبت الذي يليه وسيعد ذلك بمثابة عفو عام عنهم".
أتوجه بهذا البيان إلى جامعة الدول العربية ليعيدوا قراءة هذا النظام جيداً.. هذا النظام الذي لا يعترف بوجود معارضة، أو يقر بأن في سورية أحداث خطيرة تقع، ويتجاهل سفك دماء ما يزيد على خمسة آلاف سوري، وجرح واختفاء أضعافهم، واعتقال وسجن أكثر من تسعين ألفاً، وتهجير ما يزيد على ثلاثين ألفاً إلى الدول المجاورة، وخطف العشرات من المعارضين السوريين من لبنان والشريط الحدودي بين تركيا وسورية، ويصر على دعاويه بأن هناك عصابات مسلحة هي من تقتل وتسفك الدماء، ويطالبها بتسليم نفسها وأسلحتها وأنه سيتركهم من فورهم إذا فعلوا ذلك دون أية مساءلة إن لم تتلوث أيديهم بالدماء.
فإذا كان هذا ما يطلبه النظام من عصابات هلامية مفترضة صاغها من وهم أفكاره المريضة، ولم يتمكن من القضاء عليها أو القبض على أفرادها لثمانية أشهر، فمن حق الشعب السوري مؤيداً من جامعة الدول العربية ومجلس الأمن والأمم المتحدة وكل المنظمات الإنسانية في العالم، أن يتقدم ببلاغ إلى محكمة العدل الدولية للقبض على قتلة الشعب السوري الحقيقيين، وسوقهم إلى قفص عدالتها وإنزال أقصى العقوبات التي يستحقونها على ما اقترفت أيديهم من جرائم بحق الشعب السوري الموثقة بالصوت والصورة والأدلة الدامغة والبيّنات الواضحة ترقى إلى صفة الجرائم ضد الإنسانية، فهل سيجد الشعب السوري آذاناً صاغية عند هذه المنظمات وتقف إلى جانبه وتنصفه من هذا النظام الباغي، وتدفع (أوكانبو) لاستصدار مذكرات قبض بحق هؤلاء القتلة؟!.

CONVERSATION

0 comments: