وليام جندال وقراءة في ربيع الثورات العربية!!/ إعداد عبدالواحد محمد

"وليام انجدال" “William Engdahl”

ما يحدث في عالمنا العربي اليوم من ما يعرف بربيع الثورات العربية يضعنا في تساؤل مفتوح حول الهوية العربية القادمة من خلال قراءة واعية لما يحدث في عواصمنا التي يتأرجح الصراعات الداخلية فيما بين مد وجذر دون جوهر حقيقي لمعالجات اجتماعية وسياسية واقتصادية بقدر يعود بكل ميادين الثورات إلي حالة من الهدوء الإيجابي الذي يدفع إلي البناء السياسي الجديد والاقتصادي المآمول بما يعود بالنفع المفيد علي الجموع والتي ظلمت بفعل فاعل وعلي رأسها طبقة المثقفين وغيرها من فئات اجتماعية نتيجة لاحتكار السيطرة علي ثروات البلدان من جانب رجال الاعمال المسيسين خصوصا في العقدين الآخرين بين العشريني والألفية الثالثة دون نظر للقاعدة التي خرجت بشكل عفوي للثورة علي حكامها بعدما نالها التهميش والظلم بجهل من ساعد هؤلاء علي ذلك من الحكام الذين أفتقدوا الرؤية السياسية في بناء اجتماعي عادل يحفظ الهوية بمعناها الجوهري بتوزيع الثروة بشكل عادل لنجدنا في ورطة من الداخل والخارج فالكل له أجندة ومكاسب وأطماع يريد تحقيقها بكل الطرق لكي تصبح ثورات الحرية في خبر (كان )وتنحرف عن مسارها الطبيعي لتصبح هشة وتلفظ أنفاسها سريعا بفعل عقار (الترمادول ) الزائف الذي يحرك جسد دون عقل ؟!
ليكون المصير المؤلم استنزاف واغتصاب وسيطرة علي الأرض والنفط والعقل بلغة من يقرر لعقود طويلة يدفع ثمنها الجميع في دورة الطحونة الامريكية التي تراهن علي غياب القدوة وسط عواصف تفجرت بدون قائد يعيد الاستقرار للعقل الذي غاب كثيرا عن المشهد السياسي العربي من فرقة وتفاهة وزعامة مريضة كانت في صالح من يقرر اليوم وغدا ؟!
ومن هذا الهم أقدم للقارئ العربي هذا الحوار الصحفي الذي يترجم جزء مما نحاول أن نقرأه مع الصحفي الامريكي( وليام جندال) لتليفزيون موسكو برؤيته الخاصة والتي نتفق ونختلف معه لأنه يعبر بطريقة تحتمل الصواب والخطأ !!
الحوار الصحفي
المذيعة : مستر "انجدال" شكرا لحضورك. بالعموم لم يواجه العالم ، من قبل
هذا الكم من المشاكل الإقتصادية والسياسية في نفس الوقت. هل تظن أن كل
هذه المشاكل ، وتضارب المصالح بين الدولار واليورو ، والصراع في شمال
أفريقيا والشرق الأوسط تغذي بعضها بعضا ، ومتصلة فيما بينها ؟


"انجدال" : ما أراه في كل هذه الأزمات ، وقرار قصف ليبيا ، وأزمة
الدولار والإقتصاد الاميركي ، وتصرف الولايات المتحدة الأميركية
في الفترة الأخيرة هي كلها دلائل على تفكك دولة عظمى ، والتي بدأت
تتكون بعد الحرب العالمية الثانية.


ولا احد في "واشنطن" يريد الإعتراف ، تماما كما كان الحال في بريطانيا
منذ مئة سنة ، أن هذه هي بداية إنهيار الامبراطورية ! وكل هذا متعلق ليس
فقط في محاولة الإبقاء على هذه القوة متكاملة ، بل على توسّع نفوذها إلى
بقية الدول.


المذيعة : هل تقصد أن ما يحصل في الشرق الآوسط وشمال أفريقيا هو محاولة
من الولايات المتحدة للآبقاء على نفوذها ؟


"انجدال" : طبعا ، فقد تمّ الإعلان عن هذا المخطط في عهد جورج بوش ، بعد إحتلال "العراق" عام 2003 ، وتمّت تسميته "الشرق اوسط الكبير" !


وقد أظهروا خارطة عمّا يدور في ذهنهم ، وهو السيطرة وإدخال "الديمقراطية" (كما سمّوها) إلى العالم الإسلامي : أفغانستان ، باكستان
هبوطا إلى إيران ، سوريا والدول المنتجة للبترول ، وإستطرادا إلى دول
شمال أفريقيا.


والأحداث التي نسميّها "الربيع العربي" قد تمّ التخطيط لها منذ سنوات. والمحرّضون على ما يُسمّى "الإنتفاضات المفاجئة" في "مصر" و "تونس" وغيرها ، كلها تمّ التحضير لها ! وبعض القياديين ، اي المحرّضين عليها تمّ تدريبهم في بلغراد-صربيا ، وتمّ تمويلهم من قبل وزرارة الخارجية الاميركية.


هذا الأمر كان تحت سيطرة وزارة الخارجية الاميركية ، والمخابرات الاميركية. السؤال : لماذا يفعلون ذلك ؟ برأيي هناك سببان :


الاول : هناك ثروات ضخمة في دول الشرق الآوسط. وأحد قواعد الآجندة ،
تحديدا كما فعلوا في الإتحاد السوفياتي السابق هو إدخال "الخصصة" ،
وسياسة "الإقتصاد الحر" ، حتى يتمكن "صندوق النقد الدولي IMF"
والمصارف الغربية والمؤسسات المالية من التدخل والسيطرة !
(هذا ما لم ينجح ولم يستطيعوا تطبيقه أبدا ، فلا تزال معظم الصناعات في "روسيا" ضمن سيطرة الدولة ، مباشرة ام غير مباشرة).


الثاني : الهدف ، كما فعلوا عسكريا في ليبيا وجنوب السودان ، وهو "تحييد" المناطق النفطية ، والتي هي إستراتيجيا ضرورية "للصين" ونموّها. فالموضوع يتمحور حول السيطرة على "الدولار الأسيوي" ، وهو امر تحدّث عنه "زبيغنيو بريجنسكي" في كتابه "رقعة الشطرنج" ، ومحاولة منع "الصين" و "روسيا" من التعاون وتشكيل فريق واحد إقتصاديا وسياسيا !


المذيعة : هل يمكننا أن نقول بصدق أن تلك الدول في الشرق الأوسط وشمال
أفريقيا قد أصبحت أقرب إلى الديمقراطية ؟


"انجدال" : أصدقائي في "تونس" و "مصر" يقولون لي أن العكس ما
حصل ! فالإقتصاد في حالة أسؤأ ، فمثلا "ليبيا" كان لها اعلى مستوى معيشة بالنسبة لدول شمال أفريقيا ، وبعد القصف الناتو أصبحت البلاد خراب نتيجة القصف. أما إقتصاد "مصر" فهو في حالة مزرية ، والقيادة العسكرية لا تزال تسيطر على الحكم. للمعلوم أن هذه القيادة العسكرية كانت جالسة في
"البنتاغون" عندما انطلقت الثورة ، وكانوا بإنتظار إشارة من البنتاغون
للعودة وإستلام الحكم !


المذيعة : إذا المحرّضون على هذه الأحداث ، اي الولايات المتحدة الأميركية
وبعض الدول الآوروبية ، هل يمكنهم أن يعيدوا الأوضاع إلى طبيعتها ؟
أو أن هذا ليس لصالحهم ؟


"انجدال" : لا أظن لثانية أنهم مهتمون أن يكون الوضع طبيعيا أم لا ، كل
ما يهمهم ، خاصة "البنتاغون" هو السيطرة العسكرية. والخطوة التالية
لما يُسمّى "المجلس الإنتقالي" في ليبيا ، والذي هو دمية ، إعطاء الإذن
للناتو بإنشاء قواعد عسكرية داخل ليبيا ، وهو امر لم يحصلوا عليه في
فترة نظام "القذافي" !


نفس الأمر بالنسبة لجنوب السودان ، هو عاجز عن الدفاع عن نفسه. وبوجود قوات عسكرية للناتو “Africom” ، تنسق مع قيادة منطقة أفريقيا.


والمثير أن هذه القيادة اُنشأت عام 2006 ، بعد الهجوم الدبلوماسي الإقتصادي الصيني على أفريقيا ، ودعوة قيادات أفريقية إلى "بيجين" ، حيث تمّ توقيع معاهدات مهمة للتنقيب عن النفط ، وإنشاء مستشفيات ، وتقديم قروض ميسّرة،
كل ما لم يفعله "صندوق النقد الدولي" في أفريقيا خلال ال 30 عاما الماضية !


وقد كان لهذا الامر نتائج مهمة "للصين".


المذيعة : أعلم أن لك رأيك الخاص في هذا الموضوع ، ولكن ... من الذي
سيدفع تكلفة هذه الحروب ؟


"انجدال" : علينا أن نعود إلى الثمانينات ، عندما كان الدولار العملة الإحتياطية في العالم.


والصين لديها فائض تجاري ضخم ، لذا فماذا نفعل في ال 3 ترليون دولار
من سندات الخزينة الأميركية الموجودة في المصرف المركزي الصيني ؟
فعليا ، يوجد القليل من الأسواق الضخمة للآستثمار فيها ، لذا فالمكان الوحيد
"للصين" لكي تستثمر فيه فائضها هو الدولار او اليورو.


والواقع أن اميركا لا يمكنها أن تموّل كل هذه الحروب إذا لم تشتري "الصين" سندات خزينة لديها. فمن السخرية أن "الصين" تموّل الحروب المقامة ضد مصالحها !


المذيعة : هل تظن أن الولايات المتحدة لديها فرصة لتعويم نفسها من الآزمة الإقتصادية الحالية ؟


"انجدال" : الطريق الوحيد لكي يخرجوا من هذه الأزمة ، اي "وول
ستريت" هي إيجاد طرق جديدة "للنهب" ، "فالربيع العربي" موجه
للسيطرة على ثروة النفط بعد خصصتها.


المذيعة : إذا لم يستطع الدولار المحافظة على سيطرته ، هل تظن أن بإمكان
اليورو أن يأخذ مكانه ؟


"انجدال" : السبب بوجود الأزمة اليونانية ، في منطقة اليورو ، أن ذلك
هو جزء من الحرب الخفية بين الدولار واليورو.


فقد بدأت ، عندما أخذت "الصين" تتشكى من الولايات المتحدة والعجز الكبير
في ميزانيتها ، وتعريض الدولار للخطر ، وبالتالي سندات الخزينة الاميركية
التي أشترتها "الصين" !


فجأة ، وقبل أن ينفجر الوضع ، حصلت الأزمة اليونانية ، وقد تمّ تفعيل الآزمة
عام 2002 ، ولم يفتعل احد هذه الازمة غير "غولدمان-ساكس" أكبر مصرف
في اميركا ، وإتصالاته السياسية العميقة في "واشنطن".


فمن الواضح جدا أننا إذا تتبعنا "خيط المال" نجد أن الأزمة اليونانية خُطط
لها أن تنفجر "عند الطلب" من قبل "وول ستريت" والخزينة الأميركية ، وأيضا المصرف الإتحادي الفدرالي FRB ، في سبيل المحافظة على قوة الدولار.


ولكني لا ارى الإقتصاد الأوروبي في خطر لسبب كبير هو أن اوروبا لا
تزال منطقة صناعية ولديها إنتاج صناعي كبير.


المذيعة : هل تظن أن بعض الدول الأوروبية ، لنقل مثلا "فرنسا" ، ستستفيد
من الأحداث في ليبيا ؟


"انجدال" : كنتُ سأقول لك هذا ، "فساركوزي" ، عندما انفجر الوضع في
"ليبيا" ، كان له لقاء في آذار ، في باريس ، مع قيادات "المجلس الليبي
الإنتقالي" ، وقد همس في آذانهم : الحصول على المداخيل النفطية في منطقة "ليبيا" الشرقية ، مقابل المال والسلاح للمقاتلين ! هذه إنتفاضة موّلها
حلف "الناتو" وال CIA ، والمخابرات الفرنسية !


المذيعة : والان ، ماذا تتوقع أن يحصل ؟


"انجدال" : أرى أنه سيحصل نفس السيناريو الذي حصل في "العراق" أم
في "أفغانستان". يوجد في "أفغانستان" 17 قاعدة عسكرية دائمة ، معظمها
قواعد جوية ، وهي ليست لقصف "طالبان" ، ولكنهم يتحضّرون لحرب قادمة
، بعد عشر سنوات ، مع "الصين" وربما "روسيا" !


مناطق عسكرية في قلب أسيا ؟! هذا امر لم يحضل في ذروة الحرب الباردة
!لذا أظن أن "ليبيا" مهيأة لنفس المصير.


المذيعة : ماذا ، برأيك ، على "روسيا" أن تقوم به في الأحداث الجارية الان ؟


"انجدال" : أظن على "روسيا" أن تقوم بتصحيح الخلل الحاصل ، وإعادة
التوازن للخلل في الإستراتيجية الشديدة الخطورة لحلف "الناتو" والولايات المتحدة.


بإمكان "روسيا" أن تقف سدا في وجه محاولات الولايات المتحدة ، في مجلس الامن ، ومنعها من إتخاذ قرارات بشأن "سوريا". ولا أظن ، ايضا ، أن "الصين" ستوافق ، أيضا ، على إعادة سيناريو "ليبيا" في "سوريا" !


وأنا آمل أن تقوم "روسيا" بهذا !


المذيعة : شكرا لك على وقتك

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
كاتب وصحفي مصري
abdelwahedmohaned@yahoo.com



منقول من التلفزيون الروسي – موسكو


CONVERSATION

0 comments: